قال الأصوليون: التقليد لغة: وضع الشيء في العنق محيطاً به. واصطلاحاً: أخذ قول الغير من غير حجة. والرجوع إلى الرسول وإلى الإجماع ليس بتقليد لقيام الحجة. ثم قالوا: وهل يصح إيمان المقلد، على قولين للعلماء، فعن الأشعري لا يصح ومن قال يصح يوجب عليه الاستدلال بالنظر والرجوع إلى الدلائل الظاهرة والآيات الباهرة، ثم أن من قام في ذهنه دلائل قصده ومطلوبه فأراد إقامتها على ما ادعاه من كتاب الله وسنة رسوله وكلام الأئمة الأعلام فباحث وناقش ودل واستدل فتوافق هو وغيره في الدليل والاستدلال والعقيدة فيما هو مطلوب لا محال لا يلزم من ذلك التقليد لذلك الغير بل ولا يؤديه معناه لوجهين:
أحدهما: أن كثيراً ما يوافق مجتهد مجتهداً، وليس هو مقلداً له فيما قاله وإنما هو موافق له فيه، فالواقع إنما هو اتفاقهما في الحكم والدليل، لا تقليد أحدهما الآخر فيه. وهذا مشاهد في كلام الأئمة وتوافقهم في المسائل الاجتهادية، وقد وافق الإمام الشافعي الإمام زيد بن ثابت رضي الله عنهما مع أن الشافعي ليس مقلداً لزيد.
الثاني: أن تعريف التقليد هو أخذ قول الغير والعمل به من غير حجة للمقلد، وإنما هو اعتماد على قول مقلده وقصر على منطوقه ومفهومه بلا نظر في دليله من ضعفه أو ترجيحه قاله الأصوليون. وقالوا يلزمه أن يقلد في مسائل الفروع الأرجح الفاضل عنده فيجتهد في ذلك على الأصح. وأما توحيد الباري تعالى وتقدس في معاملته وإخلاص عبادته فلا تقليد فيه البتة، وإنما يقتدي اللاحق بالسابق فيه، والإقتداء ليس بتقليد، فكما أن شيخ الإسلام تقي الدين قد استدل في وقته بالكتاب والسنة وبكلام صالح سلف الأمة على التوحيد الذي هو وظيفة العبيد، وعلى الشرك ومعناه الذي هو ضد التوحيد، وحرمه الله وأوهنه وعلق على وجوده عدم المغفرة فعودي وأوذي كذلك هذا الرجل لما قام يأمر أهل وقته بإخلاص التوحيد لله وحده فلا يجعل حقه تعالى لغيره، أو معه ومع غيره، وميّز لهم التوحيد من ضده، وأقام عليه الدلائل والبراهين من الكتاب والسنة، وكلام صالح صلف الأمة، من غير تقليد لأحد فيه، إن كان ولا بد