(الرابع) : نفيه الحكم بغير ما أنزل الله، وترك الصلاة، ان يكونا عملي قلب بل جعلهما عمل جوارح خاصة، واستدل به على عدم كفر من لم يحكم بما أنزل الله عياناً عمداً، وتارك الصلاة عمداً، لوجود التصديق والاكتفاء به، فأما كفر من لم يحكم بما أنزل الله فقد قال العلماء هذا إذا رد نص حكم الله عياناً عمداً لعدم انقياده له والعمل به محبة وإتباعاً فانه يلزم من عدم طاعة الجوارح عدم طاعة القلب، إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعته الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعة القلب وانقياده للنص عدم التصديق المستلزم للطاعة التي هي حقيقة الإيمان، فإما مجرد التصديق من غير استلزام ولا انقياد فليس بإيمان البتة، وإذا كان كذلك فترك الحكم بما أنزل الله والحكم بغيره من أعمال القلب، لاسيما وقد قال قتادة والضحاك في سبب نزول هذه الآيات انه في اليهود الذين كانوا يعلمون صدق ما حكم عليهم في الكتاب فخالفوهم، وقد قال العلماء ان من خالف نص كتاب الله وحكم بضد ما فيه وما تضمنه عياناً عمداً تناوله حكم هذه الآية لا إن أخطأ معنى التأويل، وقال عكرمة: من عرف بقلبه أنه حكم الله ولم يقر بلسانه وينقد إليه بقلبه بل جحده فقد كفر كفراً لا إيمان معه، أما من اعترف بقلبه ولسانه انه حكم الله ولكنه أخطأ الصواب، أو حكم بضده مع علمه والإقرار به فلا كفر وقد قال ابن عباس وطاووس: ليس بكفر ينقل عن الملة بل متى وجد منه ذلك كفر وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر.
وسئل عبد العزيز بن يحيى الكتاني عن قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} فقال: إنها تقع على جميع ما أنزل الله لا على بعضه فكل من لم يحكم بجميع ما أُنزل فهو كافر ظالم فاسق. فأما من حكم بما أنزل الله من التوحيد وترك الشرك ثم لم يحكم ببعض ما أنزل الله من الشرائع التي منشؤها الفروع لم يستوجب الكفر حقيقة، وعلى هذا يحمل كلام ابن عباس وطاووس. وأما ترك الصلاة عمداً فهو مناف لحقيقة الإيمان المستلزم للإسلام المترتب على وجوده تخلية السبيل، فإنها وان اقترن فعلها بالجوارح ظاهراً فهي مستلزم عملها لعمل القلب ظاهراً وباطناً فان وجد علمه وجدت، وان عدم عدمت، وقد تقدم الكلام عليها مستوفى مفصلاً. بأدلته التفصيلية من الكتاب والسنة وكلام صالح سلف الأمة.