والشام وغيرهم قال البخاري في رده عليهم باب أمور الإيمان وباب الصلاة من الإيمان وباب الزكاة من الإيمان وباب الجهاد من الإيمان، فأهل السنة مجمعون على أنه متى زال عمل القلب فقط أو هو مع عمل الجوارح زال الإيمان بكليته وان وجد مجرد التصديق فلا ينفع مجرداً عن عمل القلب والجوارح معاً أو أحدهما، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول صلى الله عليه وسلم سراً وجهراً.
(الثالث) : قوله والذي يقوى عندي أن يكون هذا من الكفر الاعتقادي والعملي معاً فإنه عني بالاعتقاد عدم التصديق من الذين سبوا الرسول واستهزؤوا به وهذا يرده صريح قوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} قال المفسرون معنى ذلك أنهم لا يكذبونك يا محمد ولكنهم يجحدون آيات الله، فالجحدان والتكذيب راجع للآيات نفسها لا للرسول، فان القوم لم يكونوا يكذبونه في السر بل أكثرهم يصدقه علانية فان الحرب ابن عامر من قريش قال: يا محمد والله ما كذبت قط ولكن ان اتبعناك نتخطف من أرضنا فنحن لا نؤمن بك لهذا السبب وقال الأخنس بن شريق لأبي جهل: يا أبا الحكم اخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس عندنا أحد غيرنا فقال له: والله ان محمداً لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والنبوة فماذا يكون لسائر قريش، فهم لا يكذبونه بقلوبهم بل ولا بألسنتهم فيما بينهم ولكن لا يعترفون به ظاهراً عنده، فهم وان قالوا ظاهراً لولا أنزل عليه ملك، يعرفونه في قلوبهم كما يعرفون أبناءهم لكن منهم من يتعنت فيقوله بلسانه يجب أن يكون رسول الله من جنس الملائكة، وذكر الله ذلك عنهم في سورة الأنعام شبهة لهم وأجاب تعالى عنهم، ومنهم من يقول ان محمداً يخبرنا بالحشر والنشر بعد الموت وذلك محال، وكانوا يستدلون بامتناع الحشر والنشر على الطعن في رسالته ظاهراً فذكر الله ذلك وأجاب عنهم بأجوبة كثيرة هي موجودة في القرآن فشافهتهم له بالسفاهة والاستهزاء أو القتل كما قتلوا الأنبياء من قبل وقلوبهم معترفة ولكن جحدوا بآيات ربهم كما قال تعالى في قصة موسى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} .