للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الكلام في العبادة والعبودية]

وأما قول صاحب المقدمة (كيف يكون قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ} بياناً لمعنى العبادة إلى قوله اعلم ان للطاعة مراتب، الأولى أن يلاحظ فيها الثواب ودرء العقاب مع الامتثال وتسمى عبادة، والثانية أن لا يلاحظ إلاَّ تشرف النفس بالتقريب إلى الله وتسمى عباده، الثالثة أن لا يلاحظ إلاَّ الله ويسمى عبودية وهذه أعلى المراتب وفي تقديم إياك على نعبد إشارة إليه) .

فنقول: قد قال الجوهري العبادة والطاعة والخضوع والتذلل لا يستحقه إلاَّ الله سبحانه وتعالى، ويسمى العبد عبداً لذلته وانقياده لمولاه، وقال الفخر إسماعيل أبو البقاء العبادة ما أمر به شرعاً من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي، وقوله تعالى ادعوا ربكم أمر منه تعالى بدعائه فهو عبادة بل هو مخها كما قدمناه، قال أبو علي الدقاق ليس شيء أشرف ولا أتم للمؤمن من الوصف بالعبودية قال في المطلع ولهذا وصف الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أشرف مقاماته حين دعا الخلق إلى توحيد الحق وعبادته قال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} وحين أنزل عليه القرآن قال عز من قائل: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} مع أنه صلى الله عليه وسلم حبيب الله وخليله كما ثبتت خلته في الصحيح قال بعضهم:

لا تدعني إلاَّ بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي

ونحن قد قدمنا مراتب العبادة في بحث إرادة الإنسان بعمله الدنيا وأنها على ثلاثة أنواع باعتبار نياتهم في طاعة الله تبارك وتعالى، لأن العبد إما أن يلتمس بعمله من ربه أمراً من أمور الدنيا كصحة وعافية وتكثير ماله وولده أو سلامتها، وأما أن يلتمس به محمدة عند الناس ومحبة ومدحاً منهم، وأما أن يعمل امتثالاً لأمره تعالى وتقدس

<<  <   >  >>