وإجلالاً لعظمته وقياماً في عبوديته، وهذا الثالث من أعلى درجات الإخلاص كما عليه الصحابة والتابعون وتبعهم فيه المحققون من علماء كل مذهب، وان شابه خوف من الله ورجاء، وأما الأول والثاني فقد تقدم الكلام عليهما مبسوطاً.
وهذه المراتب التي ذكرها صاحب المقدمة لا يخرج كل منها عن الإخلاص لأن الموحد لا يخلو عن أن يكون خائفاً من ربه راجياً فهي في الحقيقة ترجع إلى معنى واحد إذ من لاحظ بعمله الله لا يعلم هو مقبول منه أم لا فهو خائف راج قال تعالى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وما يذكر عن بعض الشيوخ أنه جعل الخوف والرجاء من مقامات العامة فالمراد به أن المقربين يلاحظون بعبادتهم وجه الله فيقصدون رضاء الله والتلذذ بالنظر إليه كما قال الجنيد فهم يرجون حصول هذا المقصود المطلوب ويخافون حرمانه فلم يخلوا عن الخوف والرجاء لكن مرجوهم ومخوفهم بحسب مطلوبهم، ومن قال منهم لم أعبدك شوقاً إلى جنتك ولا خوفاً من نارك فهر يظن أن الجنة اسم لما يتمتع فيه من نعيم المخلوقات، والنار اسم لما يعذب فيه من ألم المخلوقات، وهذا قصور وتقصير منهم عن فهم مسمى الجنة بل كل ما أعد الله لأوليائه فهو في الجنة والنظر إليه في الجنة ولهذا كان أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، ولما سئل بعض أصحابه عما يقول في صلاته قال إني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ قال حولها ندندن، وأما التألم بالنار فهو أمر ضروري ومن قال لو أدخلتني النار لكنت راضياً. فهو عزم منه على الرضا والعزائم قد تنفسخ عن وجود الحقائق ومثل هذا يقع في كلام بعض القوم مثل ما قال سمنون:
فليس لي في سواك حظ ... فكيف ما شئت فامتحني
فابتلى بعس البول فجعل يطوف على صبيان المكاتب ويقول ادعوا لعمكم الكذاب، وبعض من تكلم في علل المقامات جعل الحب والرضا والخوف والرجاء من مقامات العامة بناء على مشاهدة القدر وان من نظر إلى القدر فشهد توحيد الأفعال حتى فنى من لم يكن وبقى من لم يزل، وهذا الكلام مستدرك حقيقة وشرعاً، أما الحقيقة فإن الحي لا يتصور أن لا يكون حساساً محباً لما يلائمه مبغضاً لما ينافره ومن