(وهذه المسائل) أعني مسائل الإيمان والإسلام والكفر والنفاق مسائل عظيمة جداً فإن الله عز وجل علق بهذه الأشياء السعادة والشقاوة واستحقاق الجنة والنار، والاختلاف في مسمياتها وقع في هذه الأمة وهو كخلاف الخوارج للصحابة حيث أخرجوا عصاة الموحدين من الإسلام بالكلية، وأدخلوهم في دائرة الكفر، وعاملوهم معاملة الكفار، واستحلوا بذلك دماء المسلمين وأموالهم، ثم حدث بعد خلاف المعتزلة، خلاف المرجئة القائلين أن الفاسق مؤمن كامل الإيمان. وقد صنف العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسائل تصانيف متعددة وممن صنف في الإيمان من أئمة السلف الإمام أحمد، وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن أسلم الطوسي، وغيرهم من الأئمة الأعلام، فمن حقق هذا المعنى في الإيمان وعرفه ومازه حصلت له المعرفة وكمال الإدراك بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" الحديث، ثم صار وسطاً بين طرفين فينفي بها نفياً معه إثبات، ويثبت إثباتاً معه نفي، فلا يقول مؤمن كامل الإيمان كما قالته المرجئة، ولا كافر خارج عن الملة مخلد في النار كما قالته الخوارج، بل ليس إيمانه تاماً، فهو مؤمن واهن الإيمان جارية عليه أحكام الإسلام. قال النووي في شرحه هذا الحديث: وأمثاله مما اختلف العلماء في معناه فالقول الصحيح الذي قاله المحققون ان معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله ومختاره، كما يقال لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا الإبل ولا عيش إلا عيش الآخرة وإنما تأولناه على ما ذكرناه لحديث أبي ذر وغيره:"من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق" وحديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور أنهم بايعوه صلى الله عليه وسلم على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يعصوا قال لهم صلى الله عليه وسلم: " فمن وفى منكم فأجره على الله ومن فعل شيئاً من ذلك فعوقب في الدنيا فهو كفارته ومن فعل ولم يعاقب فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه " فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح مع قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق