فالإيمان هو الإسلام وزيادة، وحقيقته ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون" وفي رواية " بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان" ولمسلم وأبي داود "فأفضلها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" وقد أخبر الله عن ملكة سبأ أنها دخلت في الإسلام بهذه الكلمة {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وأخبر عن يوسف عليه السلام أنه دعا بالموت على الإسلام، وهذا كله يدل على ان الإسلام المطلق يدخل فيه ما يدخل في الإيمان من التصديق، وفي سنن ابن ماجه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عدي أسلم تسلم" قلت: وما الإسلام؟ قال:"تشهد أن لا إله إلا الله وتشهد أني رسول الله وتؤمن بالأقدار كلها حلوها ومرها" فهذا نص في أن الإيمان بالقدر من الإسلام، ثم ان الشهادتين من خصال الإسلام بغير نزاع وليس المراد الإتيان بلفظها من غير تصديق بهما ولا عمل بمعناهما بل ذلك كله داخل في الإسلام، وقد فسر الإسلام المذكور في قوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام} بالتوحيد قولاً وعملاً واعتقاداً صادقاً قاله طائفة من السلف منهم محمد بن جعفر بن الزبير، وأما إذا نفي الإيمان عن أحد وأثبت له الإسلام كالأعراب الذين أخبر عنهم فإنه ينفى عنهم رسوخ الإيمان في القلب وأثبت لهم المشاركة في أعمال الإسلام الظاهرة مع نوع إيمان يصحح لهم العمل إذ لولا هذا القدر لم يكونوا مسلمين وإنما نفى عنهم الإيمان لانتفاء ذوق حقائقه ونقص بعض واجباته وهذا مبني على ان التصديق القائم بالقلوب يتفاضل وهذا هو الصحيح من مذاهب جماهير السلف وهو أصح الروايتين عن أحمد، فإن إيمان الصديقين الذين تتجلى أنوار المعرفة لقلوبهم حتى يصير كأنه شهادة بحيث لا يقبل التشكيك ولا الارتياب ليس كإيمان غيرهم ممن لم يبلغ هذه الدرجة بحيث لو شكك لدخله الشك ولهذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبة الإحسان أن يعبد ربه كأنه يراه وهذا لا يحصل لعموم المؤمنين، ومن هنا قال بعضهم ما سبقهم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره وسئل ابن عمر رضي الله عنهما هل كان الصحابة رضي الله عنهم يضحكون قال: نعم والإيمان في قلوبهم مثل الجبال، فأين هذا ممن الإيمان في قلبه يزن ذرة أو شعيرة كالذين يخرجون من أهل التوحيد من النار، فهو لا يصح أن يقال لم يدخل الإيمان في قلوبهم لضعفه عندهم.