وأما قولكم:(بل طالع بعضاً من مؤلفات أبي العباس بن تيمية ومؤلفات تلميذه ابن القيم وقلدها من غير إتقان مع أنهما يحرّمان التقليد ليأخذ العلم من غير تسديد) .
معناه أن هذا الرجل لم يقرأ على أحد من العلماء يدله على أمره ويساعد على قصده بل اكتفى عن ذلك بمطالعة بعض الكتب التي ألفها شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية وتلميذه أبو عبد الله ابن القيم فقلدهما فيما قالاه في كتبهما وهما لا يجوّزان التقليد فأخذ العلم من المؤلفات بلا تسديد، فنقول لا يلزم من مطالعة كتب الثقات وإمعان النظر فيها وفي دلائل ما تضمنته وفهم معاني ما حكته عدم أخذ العلم عن أهله وممارسته وتكرار درسه ولا تنافيه، بل أخذ العلم بحثاً وتقريراً عن العلماء الثقات عند الخاص والعام والجهابذة الأعلام هو الحامل عليها، وهو الدال إليها، وفراسته وفهمه فيها هما الحاملان عليها، وفهمه في كل فن هو الحامل على تخصيص أمره في نصحه وإيجاد قصده القائم في ذهنه، وهو المقتضي لأمره ونهيه. ودليل ذلك اعتناؤه بكتب الثقات من أولي العلم، والرجوع إلى الآيات البينات والأحاديث الصحيحة عند اختلاف الفهم، أخذاً من كلام الأئمة النقاد وما صححوه مما اتفقوا عليه أو اختلفوا فيه، لا مدعي الاجتهاد، وليس هو يدعو الناس إلى الاتفاق في مسائل الفروع التي قد وقع الاختلاف فيها، وإنما يدعوهم إلى العمل بما هو مطلوب منهم اتفاقاً مما لا تقليد فيه، وترك ما نهوا عنه كذلك والرجوع إلى الكتاب والرسول والإجماع ليس بتقليد لقيام الحجة في ذلك، إذ وجود الباري تعالى وتقدَّس وتوحيدهُ وإخلاص العبادة له والإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به لا تقليد فيه فتجب معرفة وجود ذات الله بصفاتِ الكمال شرعاً بالنظر في الوجود والموجود على كل مكلف قادر وهي أول واجب له تعالى وتقدس، وكذلك وحدانيته وألوهيته فيستدل عليهما بمخلوقاته ومصنوعاته. قال تعالى:{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} فمعرفة ذلك ليست ضرورية بل نظرية، بخلاف علمه سبحانه وتعالى بجميع مخلوقاته فليس هو بضروري ولا نظري ولا كسبي ولا استدلالي بل هو قديم باق ذاتي محيط بكل معلوم كلي أو جزئي على ما هو عليه فلا يتجدد بتجدد المعلومات ولا يتعدد بتعددها.