(وأما قولكم ويجب حمل المؤمن على الصلاح مهما أمكن حتى لو كان له تسعمائة وتسعة وتسعون احتمالاً مؤدياً إلى الكفر واحتمالاً واحداً إلى النجاة يجب حمله عليه والسر في ذلك ان الإيمان لا يزول إلا بيقين مثله) .
فنقول: لا شك أنه متى وجد الإيمان يقيناً فلا يزيله إلا ما ينافيه يقيناً، فلا يزول بالشك ولا بالظن استصحاباً للأصل السابق لما قارنه من اليقين وتقديماً له على الوصف اللاحق به لنزوله عن درجته، وهذا مع وجود وصف محتمل متردد فيه بين الحالتين، ولذلك لما كتب حاطب بن أبي بلتعه إلى المشركين يخبرهم بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم بجنود لا قبل لكم بها ولو جاءكم النبي صلى الله عليه وسلم وحده لكفى، وأراد عمر ابن الخطاب ضرب عنقه، وقال انه منافق، فاعتذر حاطب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما معناها أنه ليس له من هذا مقصد إلا وضع اليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر:"دعه فانه شهد بدراً وانك لا تدري لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أو فإني غافر لكم"، ففاضت عينا عمر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما اعتذر عنه بمشاهدته هذه المنقبة العظيمة استصحاباً لفضلها وعظمها وإشارة إلى أن أهلها لا يمكن أن يتصفوا أو بعضهم بردة، لأن الله قال:" اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وهو تعالى لا يغفر إلا ذنوب المؤمنين بخلاف غيرهم فقد يتصف بردة بعد إيمان ولا يكون ذلك بمجرد الحبس فانه كبيرة لا يكفر بها ان لم يكن فيه موالاة الكفار على المسلمين ويجتهد الإمام فيه قاله مالك وأحمد ولذلك قلنا لكن لا تثبت إلا بيقين