تارك الصلاة عمداً كافر مستوجب لخلوده في النار، وقد زعم صاحب المقدمة ان الكفر الحقيقي خاص بالاعتقاد وهو عدم تصديق القلب أو مع عمل الجوارح أيضاً كالسجود للصنم وإهانة المصحف وقتل النبي فأما فقدان عمل القلب فقط فلا يكون كفراً حقيقياً واستدل على ذلك بقوله: ولا يهين المصحف أو يسب نبياً أو يقتله وهو مصدق أنه نبي، وبقول قريش لو نعلم انك رسول الله لما صددناك عن البيت وزعمه ذلك وهم باطل وفهم عاطل من وجوه:
(أحدها) : انه قد فهم ان العمل إنما منشأه ومورده الجوارح خاصة، فأما القلب فليس فيه إلا الاعتقاد وهو التصديق خاصة وهذا مناف لمعرفة حقيقة الإيمان الذي تترتب على معرفته دعوى العلم والقول به، فان حقيقته مركبة من عمل القلب وهو محبته وانقياده وإخلاصه لفعل الأوامر وإتباع الرسل في كل ما جاؤا به من عند الله، وعمل الجوارح فيما يوجد من قبلها عند طاعة القلب وانقياده قال سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ومن قوله وهو تصديقه في كل ما جاءت به الرسل وقول اللسان وهو المتكلم بكلمة الإسلام والإقرار بما يجب الإيمان به، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فإن أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان" ولفظه لمسلم.
(الثاني) : انه فهم ان الإيمان يكفي فيه مجرد التصديق القلبي وان لم يوجد عمله ولا عمل الجوارح وهذا بعينه قول المرجئة ومعتقدهم، فإنهم يقولون الإيمان قول بلا عمل، وقد رد البخاري وغيره من الأئمة الأعلام على هؤلاء القوم اللئام وبينوا غلطهم وسوء اعتقادهم للكتاب والسنة ومذاهب الأئمة كمالك والثوري والأوزاعي ومن بعدهم من أرباب العلم والسنة الذين كانوا مصابيح الهدى وأئمة الدين وأهل العراق والحجاز