للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كفرهم بما تركوه منه ومخالفتهم له، كمن يؤمن عاملاً ببعض ويعرض تارة عن بعض، فالإيمان الاعتقادي والحالة هذه يضاد الكفر الاعتقادي، وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" ففرق بين سبابه وقتاله، وجعل أحدهما فسقاً لا يكفر به، والآخر كفر، ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي الظاهر لا الاعتقادي، وهو عمل القلب، فما دام محباً منقاداً لفعل الأوامر لزم منه فعل المأمورات من صلاة وغيرها، ومتى فقد عمله فقدت المأمورات وان وجد قوله وهو مجرد التصديق بلا انقياد، وإذا حصلت هفوة للقلب بوجود الران عليه من نحو شدة فرط الشهوة فحصل شيء من المعاصي المتقدمة الظاهرة في الجوارح وعمل القلب باق على ما كان عليه أولاً فحكم الإسلام باق ولكن انتفى عنه كمال الإيمان بظاهر أعماله السيئة، ومتى أطلق عليه اسم الكفر بذلك فإنه لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية كما تقدمت دلائله من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وان زال عنه اسم الإيمان، وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فان المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقاً أخرجوا من الملة أهل الكبائر ونصوا على أصحابها بالخلود في النار، وفريقاً جعلوهم مؤمنين، وهؤلاء الذين جعلوهم مؤمنين لا يرون ترك الصلاة كفراً بل عندهم الإيمان مجرد التصديق وهو قول باطل بالكتاب والسنة وإجماع صالح سلف الأمة.

(الثامن) : انه قد قال والمقصود ان سلب الإيمان عن تارك الصلاة أولى من سلبه عن مرتكب الكبائر، وسلب اسم الإسلام عنه أولى من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده، فلا يسمى تارك الصلاة مسلماً ولا مؤمناً، إلى أن قال هل هي شرط لصحة الإيمان، هذا سر المسألة، والأدلة التي ذكرناها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة فهي مفتاح ديوانه ورأس مال ربحه، ومحال بقاء الربح بلا رأس مال، فإذا خسرها خسر أعماله كلها وان أتى بها صورة، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا في قوله: "وإن ضيعها فهو لما سواها أضيع" وفي قوله: " أول ما ينظر في أعماله الصلاة فإن جازت له نظر في سائر أعماله، وان لم تجز له لم ينظر إلى شيء من أعماله" فصريح كلام ابن القيم المتقدم موافق لكلام الله وسنة رسوله ان

<<  <   >  >>