للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وأما قولكم أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} أنه ليس كفراً ينقل عن الملة انه كفر دون كفر وقال عطاء كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق) .

فنقول: كلام ابن عباس رضي الله عنهما فيمن لم يحكم بما أنزل الله من الشرائع التي منشأها الفروع خاصة مع الاعتراف بالقلب والإقرار باللسان إنما عدل عنه هو حكم الله كما قال عكرمة في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ان من عرف بقلبه انه حكم الله ولم يقر بلسانه ولم ينقد إليه بقلبه بل جحده فقد كفر كفراً لا إيمان معه وأن من اعترف بقلبه وأقر بلسانه أنه حكم الله ولكنه أخطأ الصواب وأتى بما يضاده من مسائل الفروع التي ليس لها تعلق بالأصل من غير استحلال فلا يدخل في الكفر الحقيقي.

وقد سئل علقمة ومسروق وابن مسعود عن الرشوة في الحكم أهي من السحت فقال: ذاك الكفر ثم تلا {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ومن لم يحكم بما أنزل الله الآية قال من لم ينقد إليه بقلبه ولم يقر بلسانه كفر كفراً حقيقياً، ومن أقر به وانقاد إليه ولكنه لم يحكم به ظاهراً فهو ظالم فاسق. رواه ابن جرير، وقال عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا عن الشعبي: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، قال: هذا في المسلمين {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظالمون} قال: في اليهود {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسقون} قال: في النصارى. وكذا رواه هشام والثوري عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي، وقال البراء وحذيفة وابن عباس وغيرهم نزل قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} في أهل الكتاب، قال الحسن وهي علينا واجبة وقال عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم الحربي نزلت في بني إسرائيل رضي الله لهذه الأمة نبيها فعفى عنها الكفر.

وسبب النزول وان كان خاصاً فعموم اللفظ إذا لم يكن منسوخاً معتبر ولأن قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله كلام داخل فيه كلمة من في معرض الشرط فتكون للعموم، لكن تحقيق معنى الآية ان الحكم بغير ما أنزل الله ان كان في الأصل من

<<  <   >  >>