زُلْفَى} يعني ليشفعوا لنا إلى الله، وذلك التقريب هو الشفاعة في قول المفسرين، والزلفى القربى اسم أقيم مقام المصدر كأنه قال إلا لتقربنا إلى الله تقريباً (ومعنى العبادة) في اللغة: الذل والانقياد كما قال أهل المعاني (وأما معناها) حقيقة: فهي ما كان مختصاً لله لأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ولذلك توعد سبحانه هؤلاء الذين جعلوا حقه لغيره بقوله تعالى: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يعني بين المتفرقين من أهل الأديان فيما هم فيه يختلفون من أمر الدين، كل يقول الحق ديني فهم مختلفون وحكم الله بينهم أن يخلد في النار من لم يتبع كتاب الله بل نبذه ورغب عنه باتباع هواه ولا يتدين بدين رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخبر تعالى أنه لا يهديهم إلى طريق النجاة فقال:{إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} في زعمه ان معتقده يشفع له، كفار في اتخاذه أولياء من دون الله أو معه ليشفعوا له ويقربوه، فالدين المأمور بالإقامة عليه واحد وهو دين الإسلام الذي بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وجملة من الأنبياء لم يختلفوا في أصله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه:"إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد الأنبياء أخوة العلات" وإنما تنوعت شرائعهم فيه كتنويع القبلة في وقتين فإنه قد كان في وقت يجب استقبال الصخرة التي في بيت المقدس في الصلاة وذلك بعد هجرته صلى الله عليه وسلم فصلى إليها بضعة عشر شهراً ثم بعد ذلك وجب استقبال الكعبة، فهذا التنوع الذي كان بين الأنبياء لا يوجب اختلاف الملة، وإنما يوجبه من لم يفرق بين عبادة الرحمن وعبادة الشيطان قال سبحانه وتعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي هذه ملتكم دينكم الإسلام ملة واحدة فلا تتفرقوا عنها، وأنا ربكم أي معبودكم الذي خلقتكم وأمرتكم بعبادتي وإخلاصها لي وحدي، فاتقون لا تشركوا بي شيئاً بل احذروا عقابي، خطاب لهم وقصد لغيرهم وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ