للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعبد الله بن عمر والأوزاعي ومعمر بن راشد وابن جريج وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وهذا قول ابن مسعود وحذيفة والنخعي والحسن البصري وعطاء وطاوس ومجاهد وعبد الله بن المبارك، فالمعنى الذي يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين وهو إتيانه بهذه الأمور التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح، وذلك أنه لا خلاف بين الجميع انه لو أقر وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه فلا يستحق اسم مؤمن، ولو عرفه بقلبه وجحده بلسانه وكذب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم المؤمن، فكذلك إذا اقر بالله وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولم يعمل بالفرائض لا يسمى مؤمناً بالإطلاق وان كان في كلام العرب يسمى مؤمناً بالتصديق فذلك غير مستحق في كلام الله لقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} فأخبر سبحانه وتعالى إن المؤمن من كانت هذه صفته، وقال ابن بطال في باب من قال الإيمان هو العمل فان قيل قد تقدم ان الإيمان هو التصديق قيل له التصديق هو أول منازل الإيمان ويوجب للمصدق دخول الأعمال فيه ولا يوجب له استكمال منازله، ولا يسمى مؤمناً مطلقاً إلا باستكمال شعب أعماله، هذا مذهب جماعة أهل السنة وان الإيمان قول وعمل، قال أبو عبيد: هو قول مالك والثوري والأوزاعي ومن بعدهم من أرباب العلم والسنة الذين كانوا مصابيح الهدى وأئمة الدين وأهل الحجاز والعراق والشام وغيرهم قال ابن بطال وهذا المعنى أراد البخاري رحمه الله إثباته في كتاب الإيمان وعليه بوب أبوابه كلها فقال باب أمور الإيمان وباب الصلاة من الإيمان وباب الزكاة من الإيمان وباب الجهاد من الإيمان وسائر أبوابه وإنما أراد الرد على المرجئه في قولهم ان الإيمان قول بلا عمل وتبين غلطهم وسوء اعتقادهم ومخالفتهم للكتاب والسنة ومذهب الأئمة.

(وأما الفرق) بين الإيمان والإسلام فالتحقيق في الفرق بينهما ما قاله المحققون ان الإيمان هو تصديق القلب وإقراره ومعرفته مع الأعمال بجميع ما فرض الله. والإسلام هو استسلام العبد لله وخضوعه وانقياده، وذلك يكون بالعمل وهو الدين كما سمى الله الإسلام ديناً في كتابه تعالى وهو حديث جبريل حين سمى صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان والإحسان ديناً، وهذا أيضاً مما يدل على أن أحد الاسمين إذا أفرد دخل فيه الآخر لجامعية الأعمال كلا منهما وان انفرد التصديق في دخول مسمى الإيمان، وإنما يفرق بينهما حيث قرن أحد الاسمين بالآخر فيكون حينئذ المراد بالإيمان جنس تصديق القلب، وبالإسلام جنس العمل، فأما ما ورد من إثبات أحدهما ونفي الآخر من نحو قوله

<<  <   >  >>