والاستعانة، فلا نعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك، ففي تقديم اسم الله اهتمام به للتعظيم واختصاص أيضاً، وحصر للذوق السليم، وتنبيه على أنه ينبغي للعابد أن يكون نظره ابتداء إلى المعبود ثم إلى العبادة، لا من حيث أنها عبادة صدرت عنه بل من حيث أنها نسبة شريفة إليه، ووصلة بينه وبين معبوده، وقدمت العبادة على الاستعانة لتوافق رؤوس الآي، ولأن تقديم الوسيلة التي هي القربة والأعمال الصالحة على طلب الحاجة أدعى إلى القبول والإجابة، وللإشارة إلى أنه لا توجد العبادة من العابد إلا مع الاستعانة، ولذلك قيل إن الواو للحال، وكرر الضمير إشارة إلى حصر الاستعانة به تعالى، وذكر السين في بسم الله للفرق بين التيمن واليمين.
(والله) أصله اله زيدت فيه اللام وشددت وفتحت همزته فصار الله؛ وهو علم على ذاته تعالى وتقدس يوصف ولا يوصف به (والرحمن الرحيم) اسمان بنيا للمبالغة من رحم، كالغضبان من غضب، والعليم من علم، والرحمن أبلغ من الرحيم، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، وإنما قدم، والقياس يقتضى الترقي لأنه صار كالعلم من حيث أنه لا يوصف به غيره تعالى لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها وذلك لا يصدق على غيره، أو لأن الرحمن لما دل على جلائل النعم وأصولها ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها، فيكون كالتتمة، وفي إيثار هذين الوصفين المفيدين المبالغة في الرحمة إشارة لسبقها وغلبتها على أضدادها وعدم انقطاعها، فلينظر القائل بسم الله أهو عامل بمعناه، لقصره الاستعانة والبركة على اسم الله خاصة، فلا يعتقد معنى ذلك في غيره تعالى كما كان يعتقده المشركون في آلهتهم ولا يرضى به أيضاً، وان أشعر تقديم العامل بالاحتمال فاعتقاده باق على حاله، أو هو يعتقد ذلك المعنى في غير الله مع كونه إنما ذكر اسم الله خاصة، أو لم يعتقده لكنه يرضى به من غيره، فهذا لم يقصر الاستعانة والبركة على اسم الله وان أتى بما يفيدهما لفظاً، لأن عقيدته أفسدت عليه.
(ومعنى الحمد لله) أي جنس الوصف بالجميل أو كل فرد منه مملوك أو مستحق للمعبود بالحق المتصف بكل كمال على الكمال. والحمد هو الثناء بالصفات الجميلة الاختيارية، والأفعال الحسنة المرضية، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا. وفي الاصطلاح فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه على الحامد أو غيره. والشكر لغة هو الحمد ومعناه اصطلاحاً صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه لما خلق لأجله.