الطيبة التي قد قامت بها الأرض والسموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة ونصبت القبلة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد وبها أمر الله سبحانه جميع العباد، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها ومفتاح عبوديته التي دعا الأمم على ألسنة رسله إليها فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وأساس الفرض والسنة، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. ضد الكلمة الخبيثة التي كالشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، فهي خراب الكائنات وعليها تثبت أنواع المنكرات، وبها وجد الذل والصغار ولأجلها فتحت أبواب النار فكل من لم يعمل بمعنى هذه الشهادة التي قد شهد بها فهو كاذب في ادعائه إياها كما كذب الله الذين شهدوا بالرسالة فلم يعملوا بمعناها. (وان محمداً عبده ورسوله) أي أشهد أن محمداً عبده ورسوله، فمحمد اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته أبو القاسم، وسمي به لكثرة خصاله الحميدة سمي به قبله سبعة عشر شخصاً على ما قاله ابن الهائم عن بعض الحفاظ، بخلاف أحمد فإنه لم يسم به قبله عبد قالي أبو علي الدقاق ليس شيء أشرف ولا أتم للمؤمن من الوصف بالعبودية، ورسوله إلى كافة الخلق. والرسول إنسان ذكر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه أخص من النبي. فبينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في مادة وينفرد أحدهما في أخرى، وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين، وحجة على المعاندين، وحسرة على الكافرين، (أرسله بالهدى ودين الحق) الذي هو التوحيد بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. فأنعم به على أهل الأرض نعمة لا يستطيعون لها شكوراً فأمده بملائكته المقربين، وأيده بنصره وبالمؤمنين، وأنزل عليه كتابه المبين الفارق بين الهدى والضلال والغي والرشاد والشكر واليقين، فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، وفرض على العباد طاعته ومحبته والقيام بحقوقه وسد الطرق كلها إليه وإلى جنته، فلم يفتح لأحد إلا من طريقه فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق والأقوال والأعمال، والفرقان المبين الذي باتباعه يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فلم يزل صلى الله عليه وسلم مشمراً في ذات الله لا يرده عنه راد، صادعاً بأمره لا يصده عنه صاد، صادع إلى أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد، فأشرقت برسالته الأرض بعد