التوحيد لله لا يجعلون الأولياء شركاء له تعالى، وأولئك قد جعلوا الأصنام شركاء له فأولئك كفرهم كفر اعتقاد وهؤلاء أعني ضعفة العقول من العوام الموحدين لله معترفون بتوحيده ومصدقون الرسول بجميع ما جاء به من عند ربه وحكم أولئك من القتل والسبي، وأما هؤلاء فالواجب على العلماء وعظهم وتعريفهم وتفهيمهم جهلتهم، وزجرهم عن فعلهم ذلك لو أصروا عليه بعد ذلك ولو بالتعزير البليغ والضرب الشديد كما أمرناهم بحد الزاني والسارق وشارب الخمر، ولا يخرجون به عن الملة ويدل على ما قلناه دلالة صريحة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عنه "أربع في أمتي من عوراء الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة على الميت" أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري فهم مع إتيانهم بهذه الخصال الجاهلية أضافهم إلى نفسه ولم يخرجهم عن أمته فقال في أمتي) .
فنقول: هذا تفريع على ما تقدم من تقسيم الكفر إلى كفرين والنفاق إلى نفاقين، أي لما انقسم الكفر إلى عملي واعتقادي وميزانهما، علمنا أن ما يفعله العوام من دعاء الأولياء والهتف بهم عند الشدائد من الكفر العملي لا الاعتقادي وعلله بأنهم مؤمنون بالله وبرسوله وباليوم الآخر وبأنهم لم يجعلوا الأولياء شركاء لله ثم أثبت لهم الاعتقاد الذي نتيجته عين ما نفاه أولاً عنهم فهو سببه ولا ينشأ إلا منه وهو قوله لكن اعتقدوا أن هؤلاء عباد الله الصالحين ينفعون ويشفعون ويضرون جهلاً منهم كما اعتقد أهل الجاهلية ذلك في الأصنام وهل هذا إلا تناقض فيما قاله ونفاه وتناقض فيما اعترض به وادعاه وتعاكس فيما فرعه وعناه وتشاكس في تعليله وفحواه. وذلك من وجوه.
(أحدها) : إثباته عين ما نفاه أولاً فقال أنهم اعتقدوا اعتقاد أهل الأصنام فيها.
(الثاني) : أنه جعل هذا الاعتقاد كفراً عملياً يعني به عمل الجوارح الظاهرة لأن كلامه فيما تقدم ينكر عمل القلب.
(الثالث) : جعله الدعاء والهتف ليسا نتيجة الاعتقاد بل يصدران ممن اعتقاده منحصر في الله وهو يدعو غيره ويلتجىء إليه فيما لا يقدر عليه إلا الله وحده