للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتجريداً له وغضباً لربه أن يعدل به سواه. فأبى المشركون إلاَّ معصية لأمره وارتكاباً لنهيه وغرهم الشيطان بأن هذا التعظيم لقبور المشايخ والصالحين وكلما كنتم فيهم أشد غلواً كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد، ووالله ان من هذا الباب بعينه دخل على عباد يغوث ويعوق ونسر، ومنه دخل على عباد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة، فجمع المشركون بين الغلو فيهم والطعن في طريقهم، وهدى الله أهل التوحيد لسلوك طريقهم والعمل بهديهم وانزلهم منازلهم التي أنزلهم الله إياها من العبودية وسلب خصائص الألوهية عنهم، وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم، وأما المشركون فعصوا أمرهم وخالفوا طريقتهم فانتقصوهم بذلك وان عظموا صورهم، قال الشافعي رحمه الله: أكره شديداً أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس. وقال مالك: لا يزاد القبر عن السلام عليه والدعاء له ولا يتحرى الدعاء ولا الصلاة عنده، هذا شعار اليهود والنصارى المشركين. وقال أبو حنيفة: يسلم على الميت ويدعو له ولا يدعو به ولا يصلى عنده لأنه من فعل المشركين، وكذا قال أبو يوسف، وممن علل بالشرك أيضاً ومشابهة اليهود والنصارى الأثرم في كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه، فقال بعد أن ذكر حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جعلت لي الأرض مسجداً طهوراً إلاَّ القبر والحمام" وحديث سعيد بن جبير عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن الصلاة في سبع مواطن" فذكر منها المقبرة إنما كرهت الصلاة في المقبرة للتشبه بأهل الكتاب لأنهم يتخذون قبور أنبيائهم مساجد. وهذه المسائل المشهورة عند أربابها معروفة إنما الغرض التنبيه على ما يخفى من غيرها فما دخل في هذا قصد القبور للدعاء عندها أو بها فان الدعاء عند القبور وغيرها من الأماكن ينقسم إلى نوعين:

(أحدهما) : أن يحصل الدعاء في البقعة اتفاقياً لا قصد الدعاء فيها كمن يدعو الله في طريقه ويتفق أن مروره بالقبور أو كمن يزورها فيسلم على أهلها فيسأل الله العافية له وللموتى كما جاءت به السنة فهذا ونحوه لا بأس به بل الثاني مأمور به.

(الثاني) : أن يتحري الدعاء عندها بحيث يعتقد أن الدعاء هناك أحق بالإجابة منه في غيره، فهذا النوع منهي عنه نهي تحريم وما جاء عن الله أو رسوله

<<  <   >  >>