للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء".

ثم إن أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنه نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم، واستدل بالحديث الذي سمعه من أبيه الحسين عن جده علي وهو أعلم بمعناه من غيرهم، فتبين بهذا أن قصده للدعاء ونحوه هو اتخاذه عيداً وكذلك ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته كره أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عنده غير دخول المسجد والصلاة فيه ورأى أن قصده ذلك من اتخاذه عيداً. فقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيداً" مأخوذ من المعاودة والاعتياد. ومنه ما هو اسم للزمان كقوله صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام" رواه أبو داود وغيره. ومنه ما هو اسم للمكان كما روى أبو داود في سننه: "إن رجلاً قال يا رسول الله إني نذرت أن أنحر ببوانة فقال أبها وثن من أوثان المشركين أو عيد من أعيادهم قال لا قال: أوف بنذرك" وإذا كان اسماً للمكان، فهو الذي يقصد للاجتماع فيه وإتيانه للعبادة أو لغيرهما كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر كلها جعلها الله أعياداً للحنفاء مثابة للناس كما جعل أيام التعبد فيها عيداً وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد النحر وعيد النحر وأيام منى كما عوضهم عن أعباد المشركين المكانية بالكعبة البيت الحرام وعرفة ومنى والمشاعر، فاتخاذ القبور عيداً هو من أعياد المشركين التي كانوا عليها قبل الإسلام، فلذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصد قبره من بعيد أو للدعاء عنده أو للاجتماع لديه، فإنه بذلك يكون عيداً، وحينئذ فقصد القبر مجردة من الأمصار في وقت معين أو في غير وقت معين هو الذي نهى عنه السلف الصالح لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه في قوله لا تتخذوا قبري عيداً. ولما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وسعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" وقد روي هذا من وجوه أخر وهو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل العلم يتلقى بالقبول عنه، فالسفر إلى هذه المساجد الثلاثة للصلاة فيها والدعاء والذكر وقراءة القرآن والاعتكاف هو من الأعمال الصالحة، وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم، حتى مسجد قباء يستحب قصده

<<  <   >  >>