للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} قال أهل التفسير يعني رضوا عن ذلك بما عندهم من العلم في زعمهم فرح استهزاء وضحك منكرين للحق، وسماه سبحانه علماً باعتبار ما قام في ذهنهم وإلا فهو أقبح الجهل، والاستغناء بمجرد الرأي الحالي عن الدليل النقلي موجب للتعاون على الإثم والعدوان اللذين نهى الله عنهما في قوله: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} والمعاونة عليهما من دحض الحق والعمل بنقيضه، وهذا من تسويل إبليس وتحسينه ليدخل الإنسان في ملته، فمن فعل فقد أحياها فصار من حزبه وأعوانه {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} والمعاونة على الإثم طبقات أقبحها وأفحشها ما يقع من العلماء وهي إما بالفعل أو بالقول، فإن كانت من الفعل فهي من أعظم الضرر على البقية، وذلك أن العلماء إذا عملوا عملاً ليس من الدين ولا سنة أفضل المرسلين صاروا سبباً لإقدام العوام إليه ولعكوفهم عليه لاعتقادهم أنه من الدين، وأنه مما يتقرب به إلى رب العالمين، وهذا السبب في كل بدعة، وما من فتنة في الوجود تنشأ إلا عنها. وفي هذا المعنى يقول العزيز الحكيم في التحذير من مخالفة أوامر من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقد أصيب الناس بفتنة أضرت بالخاص والعام فلم يرض أحد عن أحد غير معتقده ولم يزكه إلا بإتباع ما ارتكبه، وهذا نوع من الزيغ وقد أخبر الصادق المصدوق أن هلاك من كان قبلنا بسبب الاختلاف؛ وحذر أمته أن تصنع كما صنعوا فيقعوا فيما وقع فيه من مضى من الأسلاف قال صلى الله عليه وسلم: "دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه مما استطعتم" أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وهؤلاء المبتدعون يصيرون سبباً لفتنة كل مفتون. ويكون هذا منهم كإعطاء السيف لقاطع طريق المسلمين، وكتذكار الحجر للمجانين، وكإغراق السفينة في الماء، وكإحراق المدينة في النار، وإن كانت في القول فهي أعظم ضرراً من الفعل فإنهم إذا أحلوا ما حرم الله أو حرموا ما أحل الله تبعهم العوام مقتدين بهم فبذلك يصيرون

<<  <   >  >>