للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من سائر الخلق واستعان به فيه فقد عبده به، وهذا المعنى مما عناه المفسرون تحت قوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} في قولهم أي تعبدون وقوله {والذين تدعون من دونه} أي تعبدون وأمثال ذلك ولهذا قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} فإن المشركين لما أحبوا مع الله كحب الله وظنوا ان ما تألهته قلوبهم تشفع لهم عند الله وتقربهم منه دعوهم لذلك والتمسوا البركة عندهم راجين الشفاعة منهم واتخذوهم أسباباً في قضاء حوائجهم من عند خالقهم، ولذلك قال تعالى عنهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} وإذا كان اتخاذهم أسباباً في قضاء حوائجهم من عند الخالق ودعاؤهم ورجاؤهم إياهم في ذلك يكون عبادة لهم مع إقرارهم بربوبيته تعالى وملكه وجميع الكائنات وأنه تعالى الذي بيده ملكوت كل شيء وهو الذي يجير ولا يجار عليه فهو الضار النافع المعطي المانع، فكيف بمن اعتقد الضر والنفع والعطاء والمنع فيمن دعاه وسماه وسيلة وزعم أن الله جل شأنه قد أمر بذلك فهو يدعوه قضاء حوائجه وتفريج كرباته والبركة في ماله وأولاًده ويتبتل إليه في ذلك وليس معه من التوحيد إلاَّ مجرد ادعاء، لأن صنيعه ذلك في قوله وفعله وعقيدته مكذب له فيما ادعاه بجعله نداً له مماثلاً له في عبادته ومعاملته المختصة بجلاله، فمعنى قوله تعالى أيشركون أي أيعبدون بما هو مختص بجلال الله خالق جميع المخلوقات ورب كل الكائنات من نسبة عبودية أسماء المخلوقين إليه وتوكلهم في رجائهم وجميع أمورهم عليه فيجعلون ذلك لغيره وهو ما لا يقدر على خلق شيء وهم يخلقون أي مخلوقون وما لا يقدر على خلق شيء لا يتأله في العبادة فلا يتخذ لها معبوداً لا في القول ولا في الاعتقاد، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" والند المثل قال الله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} والداعي غير الله فيما لا يقدر عليه غيره سبحانه وتعالى جاعل لله نداً من خلقه فيما يستحقه تعالى من الألوهية المقتضية للرهبة والرغبة والاستعاذة وذلك كفر بإجماع الأمة لأن الله سبحانه

<<  <   >  >>