للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كفراً، إذ معناه طلب الإغاثة والتخليص من جنس الكربة والشدة، سواء كان طلب ذلك من الخالق أو المخلوق، وإذا كان كذلك فهذا القول يقتضي أنه يطلب من المخلوق الحي أو الميت إزالة الأمراض والأسقام، وكشف الجدب والقحط بإنزال المطر وإسقام الأنام، وكشف كل شدة وتفريج كل غمة، والنصر على الأعداء في الدين وإزالة الكفار والمشركين، وذلك هو الكفر برب العالمين، والمضاهاة للنصارى والمشركين، مع اعتقاد هذا المستغيث السائل أن لمن استغاثه وسأله من المخلوقين قدرة كاسبة وأن سائر فعله كائن بتأثير الله وكسب من العبد، ولكنه سأله ما استغاث فيه ملاحظاً ومجرد المسؤول إما نفس المخلوق المستغاث، أو على معنى أن جاهه قادر على تحصيل ما طلب منه استقلالاً، ولا يخرج مدلول استغاثته عن أن يكون مسؤولاً مأمولاً هو بنفسه ما طلب منه مما لا يقدر عليه إلاَّ الله زيادة على اعتقاده قدرة الجاه على إيجاد المطلوب وتحصيله.

الرابع: أن لفظ التوسل والتوجه ومعناهما يراد به أن يتوسل إلى الله ويتوجه إليه بدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم عند خالقهم في حال دعائهم إياه فهذا هو الذي جاء في ألفاظ السلف من الصحابة رضوان الله عليهم كما في صحيح البخاري: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس وقال اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون) فهذا إخبار عن عمر رضي الله عنه عما كانوا يفعلون وتوسل منهم بدعاء العباس كما كانوا يفعلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك معاوية بن أبي سفيان لما استسقى بأهل الشام توسل بدعاء يزيد بن الأسود الجرشي، وهذا هو الذي عناه الفقهاء في كتاب الاستسقاء في قولهم يستحب أن يستسقي بالصالحين وإذا كانوا من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل، وكذلك الأعمى الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله أن يعافيني قال: "ان شئت دعوت لك وإن شئت صبرت فهو خير لك" قال ادع لي فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك سيدنا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي اللهم فشفعه في" وقد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء ليشفعه الله بدعائه صلى الله عليه وسلم، كما طلب الصحابة من النبي الاستسقاء فدعا الله له وأمره صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله قبول شفاعته

<<  <   >  >>