والانتهاء عما نهى عنه، وهو يحب صلاح المأمور به وإقامة الحجة عليه قاصداً أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا فلا يغضب على من خالفه مجتهداً معذوراً لا يغضب الله عليه، ولا يرضى عمن كان جاهلاً سيىء القصد ليس له علم ولا حسن قصد، بل بحمدً من حمده الله ورسوله، ويذم من ذمه الله ورسوله، وتصير موالاته ومعاداته على دين الله ورسوله، لا على هوى النفس، وأصل الدين الذي لا فتنة فيه أن يكون الحب لله والبغض لله، والموالاة لله والمعاداة لله، والعبادة لله والاستعانة بالله، والاتكال على الله، والخوف من الله والرجاء لله، والإعطاء لله والمنع لله، وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله الذي أمره أمر الله ونهيه نهي الله ومعاداته معاداة الله وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وصاحب الهوى يعميه هواه ويصمه، فلا يستحضر في قوله وعقيدته ما لله ورسوله في ذلك، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه هواه، ويغضب لما يغضب له هواه، فلم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا بل قوله وعقيدته وحميته مجرد هوى، وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً جانبوا قوله تعالى:{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} فكانوا ممن قال الله فيهم: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} وإذا كان المسلم الذي يقاتل الكفار قد يقاتلهم شجاعة وحمية ورياء وذلك ليس في سبيل الله فكيف بأهل البدع الذين يخاصمون ويقاتلون عليها فإنهم يفعلون ذلك شجاعة وحمية وميل نفس وهوى، وربما يعاقبون لما اتبعوا أهواءهم بغير هدى من الله لا بمجرد الخطأ الذي اجتهدوا فيه، ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لأن أتكلم في علم يقال لي فيه أخطأت أحب إلي من أن أتكلم في علم يقال لي فيه كفرت والله أعلم.