وفيه جهاد النفس في الباطن، وجهاد العدو في الظاهر، فهو أفضل من الجوع والسهر والصمت والخلوة ونحو ذلك. وعن الثاني فلا ريب أن عبادات الموحدين كصلاتهم وصيامهم وحجهم أدعى إلى العدل الذي هو جماع الواجبات العقلية من عبادات غيرهم التي ابتدعوها فإنها متضمنة للظلم النافي للعدل، وعن الثالث أن يكون الأمر في ذلك راجعاً إلى مشيئة الله وتعبده للخلق وحينئذ فمن تكون عباداته تابعة لأمر الله الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون متعبداً بما أمر الله به بخلاف من تكون عباداته من عندياته ابتدعها من غير أن يأتيه بها الرسول من عند الله فإنها غير مقبولة بل وزرها أعظم وليس شيء من أعمال البر إلاَّ ودونه عقبة تحتاج إلى الصبر فيها، فمن صبر على شدتها أفضى إلى السهولة والراحة وإنما هي مجاهدة النفس ثم مخالفة الهوى ثم مكابدة ترك الدنيا ثم الإقبال على ربه خائفاً راجياً ثم اللذة والنعيم، هكذا ذكره شارح الحكم محمد المغربي الفاسي.
وقول صاحب المقدمة وفي تقديم إياك على نعبد إشارة إليه ليس كذلك لأن معنى التقديم الحصر وهو نفي العبادة عما سوى الله وإثباتها له وحده وليس له مخصص في بعض تلك المراتب التي ذكرها دون بعض إذ من لاحظ بطاعته امتثال أمر الله تبارك وتعالى مع خوفه ورجائه لا يقال أنه مشترك مع الله في العبادة ولا محتملها بعدم ملاحظته الله وحده لوجود ملاحظة أمره تعالى مع ملاحظة الثواب ودرء العقاب إذ هو مخلص بذلك بإجماع الأمة ولا فيه ما يوهم عدمه وخوف الله ورجاؤه وامتثال أمره عبادة، وحيث لوحظت تلك العبادة لا تكون معبودة ولا احتمال فيها والله تعالى أعلم.