لعمري لقد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرقي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كفى حائر ... على ذقن أو قارعاً سن نادم
وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم وهو الفخر الرازي:
نهاية اقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقال
من الذين أثنى الله عليهم في كتابه وممن استثناهم النبي صلى الله عليه وسلم في جملة اتباعه وأحبابه لأن هؤلاء داخلون في عموم قوله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فهم ورثة الأنبياء وخلفاء الرشدين وأعلام الهدى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، قد وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر اتباع الأنبياء، وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق ما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة، بعكس من نبذ الكتاب رراءه واستدل بقول الأخطل، فإن من تأمل عقيدة المتكلم والمقلد له تأملاً يميز به بين الضدين ويفرق فيه بين الجنسين. علم يقيناً أن من أعرض عن الكتاب لم يعارضه إلا بما هو جهل بسيط أو مركب. فالأول {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} والثاني {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} فأهل البسيط أهل الحيرة. وأهل المركب أرباب الاعتقادات الباطلة التي يزعمونها عقليات.