للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له فليس لغيره ملك ولا شرك في ملك غيره ولا شريك له. وهذان الصنفان هما اللذان لهما ملك إما كامل وإما مشاع، ومن ليس له ملك فإما أن يكون عوناً للمالك كالوكلاء والإجراء والغلمان والجند والأولياء. وإما أن يكون سائلاً طالباً منه لأنه إما أن ينفع المالك فيكون له عليه حق وإما أن لا ينفع لكن يسأله فأخبر سبحانه أنه ليس له من المخلوقات من ظهير.

وأما مسئلة الشفاعة فلم ينفها لكن أخبر أنها لا تكون ولا تنفع إلا لمن أذن له، فالشفاعة بعد رضائه تعالى عن المشفوع فيه وهذا بخلاف الشفعاء للمخلوقين فإنهم قد يشفعون لمن لم يؤذن لهم في الشفاعة له وقبل استئذان المشفوع إليه. وهكذا كقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} وقال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} وقال: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} وهذا يوجب انقطاع تعلق القلوب بغيره ولو كان ملكاً أو نبياً فكيف بالمشايخ والعلماء والملوك فإن غاية الراجي لهم المعتمد عليهم أن يقول هم يشفعون لي فقد أخبر سبحانه أنه ما من شفيع إلا من بعد إذنه وأنكر أن يشفع أحد إلا بإذنه وأخبر أن الشفاعة لا تنفع إلا لمن أذن له. ولهذا إذا جاء سيد الشفعاء صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إلى ربه ورآه سجد وحمد بمحامد يفتحها عليه ولا يبتدئ بالشفاعة حتى يقال له: أي محمد أرفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع. وبهذا تتبين الشفاعة المنفية يوم القيامة كما قال جل ذكره: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} وقال تعالى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وذلك ان الإنسان في الدنيا يحصل ما ينفعه، تارة يكون بمعاوضة حسية، وتارة معنوية، والله تعالى خالق كل شيء وربه ومليكه فهو الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقيراً إليه بخلاف الخلق فإنهم محتاجون إلى ظهير يظاهرهم ويعاونهم فهذه الوسائط في الحقيقة شركاؤهم والله سبحانه ليس له شريك في الملك كما ليس له شريك في استحقاق العبادة بل هو المختص بها ولا تليق إلا لجلاله وعظمته فلا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله

<<  <   >  >>