وقالت الجهمية: إنما معنى قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣] إنما أراد بذلك الانتظار. فخالفت في ذلك بهذا التأويل جميع لغات العرب، وما يعرفه الفصحاء من كلامها؛ لأن القرآن إنما نزل بلسان العرب، قال الله تعالى: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: ١٠٣] ، وقال: {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: ٢٨] فليس يجوز عند أحدٌ ممن يعرف لغات العرب وكلامها أن يكون معنى قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} الانتظار. ألا ترى أنه لا يقول أحد: إني أنظر إليك يعني: أنتظرك إنما يقول: أنتظرك، فإذا دخل في الكلام: إلى، فليس يجوز أن يعني به غير النظر، يقول: أنظر إليك، وكذلك قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ولو أراد الانتظار لقال: لربها منتظرة، ولربها ناظرة. وذلك كله واضح بين عند أهل العلم ممن وهب الله له علمًا في كتابه وبصرًا في دينه. ثم قال رحمه الله: سمعت أبا بكر بن الأنباري النحوي يقول في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ولو كان بمعنى منتظرة ما جاز أن تكون ناضرة؛ لأن المنتظر على وجهه الحزن؛ لأنه متوقع شيئًالم يحصل له، والناضرة مسفرة مشرقة ضاحكة مستبشرة. ووجه آخر: أنه لو أراد بالناظرة: منتظرة، كان يقول: لربها ناظرة، ولم يقل: إلى ربها ناظرة. وقال ابن منده في الرد على الجهمية "ص: ١٠٢": أجمع أهل التأويل كابن عباس وغيره من الصحابة، ومن التابعين محمد بن كعب وعبد الرحمن بن سابط والحسن بن أبي الحسن وعكرمة وأبو صالح وسعيد بن جبير وغيرهم أن معناه: إلى وجه ربها ناظرة. والآخرون نحو معناه، ومن روى عنه أن معناه: أنها تنتظر الثواب. فقول شاذ لا يثبت. وقال الدارمي في رده على المريسي الجهمي العنيد "٣٦٧/١، ٣٦٨":