٢ قال ابن بطة في "الإبانة" "١٨٣/٢-١٨٥": ثم إن الجهمي إذا بطلت حجته فيما ادعاه ادعى أمرًا آخر، فقال: أنا أجد في الكتاب آية تدل على أن القرآن مخلوق، فقثيل: أية آية هي؟ قال: قول الله عز وجل: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: ٢] . أفلا ترون أن كل محدث مخلوق؟ فوهم على الضعفاء والأحداث وأهل الغباوة وموّه عليهم، فيقال له: إن الذي لم يزل به عالما لا يكون محدثًا، فعلمه أزلي كما أنه هو أزلي، وفعله مضمر في علمه، وإنما يكون محدثًا ما لم يكن به عالِمًا حتى علمه فيقول: إن الله -عز وجل- لم يزل عالِمًا بجميع ما في القرآن قبل أن ينزل القرآن، وقبل أن يأتي به جبريل وينزل به على محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠] قبل أن يخلق آدم. وقال: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٣٤] . يقول: كان إبليس في علم الله كافرًا قبل أن يخلقه، ثم أوحى بما قد كان علمه من جميع الأشياء. وقد أخبرنا عز وجل عن القرآن، فقال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤] فنفى عنه أن يكون غير الوحي، وإنما معنى قوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} أراد: محدثًا علمه وخبره وزجره وموعظته عند محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنما أراد: أن علمك يا محمد ومعرفتك محدث بما أوحى إليك من القرآن، وإنما أراد: أن نزول القرآن عليك يحدث لك ولمن سمعه علم وذكر لم تكونوا تعلمونه. ألم تسمع إلى قوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: ١١٣] وقال تعالى: =