١٨- ... المديح والثناء بأوصاف مطلقة باطنة، لا يمكن الاطلاع عليها، كالوصف بالتقى والورع والزهد، ومن المديح المذموم كيل أوصاف الكمال على امرئ لم يعرفه تمام المعرفة بعدُ، ولم يخالطه بعِشرة في سفر ونحوه، يبتغي بذلك التوصل إلى منفعة آنية، أو رياسة دنيوية. أما لو علم أنه لا يفرح بمدحه ولا يتكبر بسببه، وكان صالحاً فيما يظهر من حاله، وكان لا بد من وصفه، فوصَفَه بما يعرف من حاله الظاهر من غير إفراط، كأن قال: أَحْسِبُ فلاناً كذا، والله حسيبُه، ولا أزكّي على الله أحداً، كان ذلك مشروعاً (١) .
ولعل الحكمة في المنع من كيل المديح على من ليس أهلاً له، هي حصول التألّي والادعاء عند المادح بمعرفة باطن الممدوح، وحصول الفرح الناتج عن الكِبْر والعُجبِ بالنفس عند الممدوح، وسداً لمدخل الشيطان إلى نفس كلٍّ منهما؛ يوسوس للمادح أن ازددْ ثناءً على صاحبك عسى أن تنال شيئاً من فتات الدنيا، ويوسوس للممدوح بقوله: لو لم تكن أهلاً لذلك لما امتدحك الخلق، وقد يكون في واقع حاله ليس أهلاً لذلك.
قال الله تعالى:{فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النّجْم: ٣٢] .
وقال سبحانه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً *}[النِّسَاء: ٤٩] . {قليلا} : هو الخيط الرقيق في وسط النواة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل مدح رجلاً في حضرته صلى الله عليه وسلم: وَيْحَكَ،
(١) كما سيأتي - في الهامش التالي - من عنونةٍ للإمام مسلم رحمه الله: باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط، وخيف منه فتنة على الممدوح.