للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَتَل بسحره أحداً أم لم يقتل، وممن ذهب إلى ذلك: الأئمة مالك، وأبو حنيفة، وأحمد في أصح الروايتين، وذهب الشافعي وابن المنذر ومن وافقهما إلى أن الساحر لا يقتل إن عمل بسحرٍ لا يبلغ به الكفر، إلا إن قتل بسحره هذا إنساناً فإنه يقتل به قصاصاً لا حداً. والأظهر في هذه المسألة: أن الساحر الذي لم يبلغ به سحره الكفر، ولم يقتل إنساناً أنه لا يُقتَل، لدلالة النصوص القطعية، والإجماع على عصمة دماء المسلمين عامة إلا بدليل واضح. وقتل الساحر الذي لم يكفر بسحره لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتجرؤ على دم مسلمٍ من غير دليل صحيح من كتابٍ أو سُنّةٍ مرفوعة، غير ظاهر عندي. والعلم عند الله تعالى. مع أن القول بقتله مطلقاً قوي جداً لفعل الصحابة له من غير نكير] . اهـ (١) .

إن ما ذكر آنفاً هو ما رجّحه الإمام الشنقيطي رحمه الله، مع استدراكه - في آخر كلامه كما ترى - بأن القول بقتل الساحر مطلقاً قوي جداً، مما يُشعر بأن ترجيحه فيه عنده نظر، ولعل ما حداه إلى القول بمنع قتل الساحر الذي لم يكفر بسحره، ولم يقتل بسحره أحداً، هو التورع عن قتل امرئٍ ظاهره الإسلام، فلا يستباح قتله إلا بدليل قطعي الثبوت والدلالة في ذلك (٢) .

ويبقى أن جمهور العلماء على قتل الساحر مطلقاً، سواء قتل نفساً معصومة بسحره أم لا. وهو مذهب الأئمة: مالك وأبي حنيفة وأحمد في


(١) انظر: أضواء البيان للعلاّمة الشنقيطي رحمه الله (٤/٤٩٧-٥٠١) .
(٢) وقد صرّح الإمام - في موضع آخر - بوجوب قتل ساحر المسلمين، بقوله: وأظهر الأقوال عندنا أنه - أي ساحر أهل الذمة - لا يكون أشد حرمة من ساحر المسلمين، بل يُقتل كما يقتل ساحر المسلمين. انظر: أضواء البيان، (٤/٥١١) .

<<  <   >  >>