للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"الإطلاق الأول: هو أن الحكمة هي المعنى المقصود من شرع الحكم، وذلك هو المصلحة التي قصد الشارع بتشريع الحكم جلبها أو تكميلها، أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم درءها أو تقليلها"١.

أما الإطلاق الثاني فيراد به: "المعنى المناسب لتشريع الحكم، أي المقتضي لتشريعه، وذلك كالمشقة"٢.

ولكن هذا الإطلاق -عند التحقيق والتدقيق- آيل إلى الإطلاق الأول، فهو إطلاق مجازي كما نبه على ذلك الفناري في قول السابق. ويؤكد هذا ما سيأتي من استعمال لفظ العلة.

أما العلة: فهو مصطلح ذو شجون وقد استعمل استعمالات مختلفة، وكثر فيه الجدال والأخذ والرد، غير أن الذي يعنينا الآن هو أن لفظ "العلة"، مما يعبر به عن مقصود الشارع، فيكون على هذا مرادفًا لمصطلح "الحكمة". وهذا هو الاستعمال الأصلي والحقيقي لمصطلح العلة. ثم غلب استعماله فيما بعد بمعنى الوصف الظاهر المنضبط الذي تناط به الأحكام الشرعية، على أساس أن الحكمة، وهي مناط الحكم ومقصوده في حقيقة الأمر ترتبط غالبًا بذلك الوصف الظاهر المنضبط، الذي يسهل إحالة الناس عليه في تعرفهم لأحكام الشارع.

ففي باب الرخص مثلًا، لا شك أن رفع المشاق عن الناس والتخفيف عنهم، هي الحكمة والمقصود، وهي العلة الحقيقية للرخص الشرعية. ولكن الشارع لا يقول للمكلفين: كلما وجدتهم عنتا فترخصوا. وإنما حدد لهم أمارات معروفة، وأسبابًا معينة، هي ما يسميه الأصوليون: الأوصاف الظاهرة المنضبطة "أو العلل"، فبناء عليها يقع الترخيص؛ كالسفر، والمرض، والعجز، والاضطرار، والإكراه. وأما ما سوى هذه من صور المشاق التي لا حصر لها، مما لم يسمه الشارع، فقد ترك تقديرها، وتقدير ما تستحقه من ترخيصات للمجتهدين والمفتين، الموقعين عن رب العالمين.


١ السبب عند الأصوليين، ٢/ ١٧.
٢ المرجع السابق، ٢/ ١٨.

<<  <   >  >>