للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١- الضروريات الخمس:

منذ المقدمات الأولى لكتاب "الموافقات"١ بدأ الشاطبي يثير مسائل المقاصد، ويتكئ عليها في تدعيم وتوضيح آرائه الأصولية.

ففي المقدمة الأولى، التي خصصها للقول بأن أصول الفقه في الدين قطعية لا ظنية٢، جعل أقوى حججه على هذا القول، هو كون أصول الفقه راجعة إلى كليات الشريعة. وكليات الشريعة لا يمكن أن تكون إلا قطعية. قال: "وأعني بالكليات هنا: الضروريات، والحاجيات والتحسينيات٣.

وقطعية هذه الكليات مسألة لا يرقى إليها جدال، بل هي في أعلى درجات القطع: "فقد اتفقت الأمة، بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وعلمها عند الأمة كالضروري٤.

ومن المقدمات ننتقل إلى كتاب الأدلة "الجزء الثالث حسب تقسيم الطبعات"، حيث نجده يضع القواعد العامة للنظر في الأدلة الشرعية. ومن ذلك


١ وهي ثلاث عشرة مقدمة، قال عنها: "تمهيد المقدمات المحتاج إليها قبل النظر في مسائل الكتاب".
٢ الخلاف في هذه القضية يبدو أنه راجع إلى عدم تحرير محل النزاع فقط، فالقائلون بأن "أصول" الفقه قطعية، لا تحتمل الظنيات -ومنهم الشاطبي- يقصدون "أصول الأدلة" والقواعد الكلية للشريعة، ويعتبرون ما سوى ذلك من المباحث التفصيلية والاتجتهادات التطبيقة، ليس من "أصول" الفقه، وإن بحث في علم أصول الفقه وكتبه. وأما القائلون بأن أصول الفقه تشتمل على كثير من الظنيات، فإنما يتكلمون عن "علم أصول الفقه"، حيث أدرجت فيه كثير من الظنيات. ودليل ظنيتها، كثرة الخلاف فيها، وهو ما سعى الشاطبي إلى إقصائه من "أصول الفقه"، وافتتح كتابه بالتأكيد على أن أصول الفقه قطعية لا ظنية، وانظر في هذا: "البرهان" لإمام الحرمين: ١/ ٨٥-٨٦.
٣ الموافقات: ١/ ٣٠.
٤ الموافقات: ١/ ٣٨.

<<  <   >  >>