وهذا المسلك -باعتبار أهميته- حقه أن يكون الأول. ولكن الغريب أن الشاطبي لم يذكره أصلًا مع الجهات الأربع التي تعرف بها مقاصد الشارع، والتي خصص لها خاتمة كتاب المقاصد. فهو لم يجعله لا الأول ولا الخامس!
وما زلت منذ قرأت هذه الخاتمة، أتعجب لعدم ذكره فيها للاستقراء، ضمن الطرق الموصلة إلى عرفة مقاصد الشريعة.
وزاد من عجبي أن كلام الشاطبي -حيثما كان- مليء بذكر الاستقراء، استشهادًا به، أو إحالة عليه، أو تنويهًا بقيمته وأهميته. وقد أحصيت من ذلك حوالي مائة مرة، في أجزاء الموافقات الأربعة، فكيف لم يجعله جهة مستقلة واضحة، فيما يعرف به قصد الشارع!
هل ترك ذكره هنا، اكتفاء بالإحالات والإشارات الواردة في ثنايا الكتاب؟ أن ذلك جاء عن غفلة أتت عليه حين تحرير الفصل الخاتم لكتاب المقاصد؟
أم لمعنى يتعلق برؤيته للموضوع؟ لحد الآن لا أجد جوابا أرتاح إليه.
ومهما يكن الأمر، فإن الذي يمكن الجزم به باطمئنان، هو أن الاستقراء -عند الشاطبي- هو أهم وأقوى طريق لمعرفة وإثبات مقاصد الشريعة. وبيان ذلك فيما يلي: