إذا كان البحث في مسألة التعليل هو بحث في أساس مقاصد الشريعة، فإن البحث في المصالح والمفاسد، هو بحث في صميم المقاصد. فقد رأينا أن مقاصد الشريعة تلخص وتجمع في "جلب المصالح، ودرء المفاسد". ومن هنا يستمد البحث في المصالح والمفاسد أهميته وخطورته.
وسأعمل -فيما يلي- على إبراز وتوضيح أهم آراء الشاطبي في موضوع المصالح والمفاسد، مع ما تستدعيه من مقارنة، أو مناقشة، أو تتميم.
[مفهوم المصلحة والمفسدة]
مما لا شك فيه ولا خلاف، شأن مسمى "المصلحة" و"المفسدة" -بهذا التعميم، وبهذا الإطلاق يدخل فيه -عند جميع العلماء المسلمين- مصالح الدنيا ومصالح الآخرة. وقد تقدم عن الشاطبي "أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا"١ وهذا من البداهة بمكان لا يحتاج إلى أي إثبات أو توضيح. كما أن من البداهة أن مصلحة الآخرة -أو مصالح الآخرة- هي كل ما يجلب رضوان الله ونعيمه أو يزيد في درجتهما، وأن مفاسد الآخرة هي كل ما يجلب سخط الله وعذابه أو يزيد في درجتهما. أو لنقل -على الأصح- مصلحة الآخرة