للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا الأساس نفسه قرر بطلان النيابة في العبادات، بحيث "لا يقوم فيها أحد عن أحد، ولا يغني فيها عن المكلف غيره" واعتبر أن هذا الأصل قطعي نقلا وتعليلًا:

فأما أدلتة النقلية فعدد كثير من الآيات، مثل {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} .

وأما أدلته النظرية١، فيأتي في مقدمتها تحكيم المقاصد، وذلك "أن مقصود العبادات الخضوع لله والتوجه إليه، والتذلل بين يديه، والانقياد تحت حكمه، وعمارة القلب بذكره، حتى يكون العبد بقلبه وجوارحه حاضرًا مع الله، ومراقبًا له غير غافل عنه، وأن يكون ساعيًا في مرضاته وما يقرب إليه حسب طاقته. والنهاية تنافي هذا المقصود وتضاده.

ثم أورد -كعادته- الاعتراضات الممكنة على منع النيابة في العبادات٢، وأهملها الأحاديث التي تفيد صحة النيابة في الحج والصيام. فناقش الاستدلال بها جملة وتفصيلًا، ثبوتًا ودلالة. وختم ردوده على المستدلين بها بقوله: "هذه الأحاديث-على قلتها- معارضة لأصل ثابت في الشريعة قطعي. كما تقرر أن خبر الواحد لا يعمل به إلا إذا لم يعارضه أصل قطعي، وهو أصل مالك بن أنس وأبي حنيفة. وهذا الوجه هو نكتة الموضع، وهو المقصود فيه.

وأما المسألة الثامنة، فقد قرر فيها وحرر مقصودًا آخر من مقاصد الشارع في دخول المكلفين تحت التكليف، وهو أن "من مقصود الشارع في الأعمال: دوام المكلف عليها، والدليل على ذلك واضح. "فقد مدح الله "المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون" وفي الحديث "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" إلى غيرها من النصوص.


١ أي التي تقوم على النظر والفكر.
٢ مع العلم أن النيابة في بعض العبادات كالحج والصيام، يقول بها عدد من العلماء، لوجود أحاديث تفيد ذلك وتجيزه.

<<  <   >  >>