فقصد الفاعل في فعله، يجعل عمله صحيحًا أو باطلا، ويجعله عبادة أو رياء، ويجعله فرضا أو نافلة، بل يجعله إيمانًا أو كفرًا -وهو نفس العمل- كالسجود لله، أو لغير الله. و"أيضًا فالعمل إذا تعلق به القصد تعلقت به الأحكام التكليفية، وإذا عري عن القصد لم يتعلق به شيء منها، كفعل النائم والغافل والمجنون".
وبعد هذا التمهيد، يأتي تقريره لصلب الموضوع -وذلك في المسألتين: الثانية والثالثة- وهو:
١- "قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل، موافقًا لقصده في التشريع".
فإذا كانت الشريعة -كما مر- موضوعة لمصالح العباد، فالمطلوب من المكلف أن يجري على ذلك من أفعاله، "وأيضًا فقد مر أن قصد الشارع: المحافظة على الضروريات وما رجع إليها من الحاجيات والتحسينات، وهو عين ما كلف به العبد. فلا بد أن يكون مطلوبًا بالقصد إلى ذلك، لأن الأعمال بالنيات" ثم، لما كان الإنسان مستخلفًا عن الله -في نفسه وأهله وماله وكل ما وضع تحت يده- "كان المطلوب منه أن يكون قائمًا مقام من استخلفه: يجري أحكامه ومقاصده مجاريها".
والوجه الآخر لهذه القضية هو:
٢- "كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها، فعمله -في المناقضة- باطل. فمن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له، فعمله باطل.
ولئن كان المطلوب من المكلف -بصفة إجمالية- أن يجعل قصده في العمل موافقًا لقصد الشارع من التشريع، فإن عامة المكلفين قد لا يعرفون -بالتفصيل- مقاصد الشارع في كثير من أحكامه وتكاليفه. فكيف يفعلون حتى يكون قصدهم -في كل عمل- موافقًا -غير مخالف- لقصد الشارع في ذلك العمل، ويكونوا على اطمئنان من ذلك.