للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلتها: المرور في الطرقات والأسواق إذا كان فيه سماع محرم أو رؤيته. ومخالطة الناس إذا كانت توقع في سماع الغيبة والكذب والفحش. والمساكنة إذا كانت تعرض لبعض المحرمات، والزواج إذا كان سيجر إلى بعض الشبهات أو المحرمات، وطلب العلم إذا كان محفوفًا ببعض المنكرات.

وهذه المسألة تعرض لها غير ما مرة، في غير سياقنا الذي نحن فيه١. وعالجها -كعادته- بناء على ما تقرر عنده في المقاصد، فجعل حكم هذه المباحات مع عوارضها المحرمة، يختلف باختلاف مرتبتها في سلم المقاصد:

١- فإذا كانت من قبيل الضروريات -التي تقدم أنها مباحة بالجزء وواجبة بالكل- صح للمكلف السعي في تحصيها، ولم تؤثر فيه العوارض. لأن "إقامة الضرورة معتبرة، وما يطرأ عليها من عارضات المفاسد مغتفر في جنب المصلحة المجتبلة"٢.

ثم إنه قد تقرر في المقاصد أن المكمل إذا عاد على أصله بالإبطال أهمل، وحوفظ على الأصل بدون ذلك المكمل. وما نحن فيه يدخل في هذا الباب أيضًا. فإن السلامة من العوارض، هي مكملة بالنسبة إلى طلب الضروريات فلا يصح إبطال هذه الضروريات وتعطيلها لأجل هذه العوارض.

٢- وإذا لم تكن من قبيل الضروريات، ولكن يلحق المكلف إذا تركها حرج في حياته: "فالنظر يقتضي الرجوع إلى أصل الإباحة، وترك اعتبار الطوارئ، إذ الممنوعات قد أبيحت رفعًا للحرج كما سيأتي لابن العربي في دخول الحمام، وكما إذا كثرت المناكر في الطرق والأسواق، فلا يمنع ذلك التصرف في الحاجات، إذ كان الامتناع من التصرف حرجا بينا {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ٣، ٤.


١ من ذلك: ٣/ ٢٣١-٢٣٥ و٤/ ٢١٠-٢١١.
٢ الموافقات: ١/ ١٨٢.
٣ سورة الحج: ٧٨.
٤ الموافقات: ١/ ١٨١.

<<  <   >  >>