للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسئول عن رعيته" فكونهم يسألون، كناية عن العبودية، لأن العبد بمظنة المؤاخذة على ما يفعل وما لا يفعل، وبمظنة التعرض للخطأ في بعض ما يفعل.

وليس المقصود هنا نفي سؤال الاستشارة، أو تطلب العلم. ولا سؤال الدعاء، ولا سؤال الاستفادة والاستنباط، مثل أسئلة المتفقهين أو المتكلمين عن الحكم المبثوثة في الأحكام الشرعية، أو في النظم الكونية. لأن ذلك استنباط وتتبع، وليس مباشرة بسؤال الله تعالى، ولا لتطلب مخلص من ملام. وفي هذا إبطال لألهية المقربين التي زعمها المشركون الذين عبدوا الملائكة وزعموهم بنات الله تعالى، بطريقة انتفاء خاصية الإله الحق عنهم، إذ هم يسألون عما يفعلون وشأن الإله أن لا يسأل. وتستخرج من جملة {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} كناية عن جريان أفعال الله تعالى على مقتضى الحكمة، بحيث إنها لا مجال فيها لانتقاد منتقد إذا أتقن الناظر التدبر فيها، أو كشف له عما خفي منها"١.

فسر المسألة، والفيصل فيها بين سؤال وسؤال، بين سؤال يفسق صاحبه كما ذهب إلى ذلك ابن حزم، وبين سؤال يرجو به صاحبه الأجر والتقرب إلى الله. الفرق هو أن السؤال الموجه إلى الله، أو إلى أي فعل من أفعاله، أو أي قول من أقواله، أو أي حكم من أحكامه، إذا كان الغرض منه: الاعتراض، أو الإنكار، أو الاستهزاء، أو المحاسبة، فهو ضلال وكفر. ومن هذا الباب السؤال الوارد في الآية التي استدل بها ابن حزم على تحريم البحث عن علل الأحكام، وهي قوله تعالى: {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ} ٢.

فالسؤال في الآية صادر عن الكافرين والذين في قلوبهم مرض، وفيه معنى الاستهزاء والاتحقار، كما هو موضح في سبب نزولها.


١ التحرير والتنوير، ١٧/ ٤٦.
٢ سورة المدثر، ٣١.

<<  <   >  >>