للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومرة أخرى أأكد أن تعليل الأحكام له مسالكه وحدوده وضوابطه. وكل ذلك مبين في مظانه من كتب الأصول، ومطبق في كتب الفقه، والتفسير، وفقه الحديث.

والذي أستطيع أن أقرره باطمئنان: أنه ليس هناك حكم شرعي، إلا ويجوز التساؤل عن حكمته، كما يجوز البحث عنها -بعد ذلك- بكل ما هيأه الله لنا من وسائل البحث والعلم. فإذا وصلنا إلى شيء مما تشهد له الأدلة المعتبرة قلنا به، وإن لم تصل، سلمنا بحكمة الله أيا كانت، والبحث مستمر، والعلم لا حد له. وقد أمرنا الله بالتدبر والتعقل، وأمرنا بالنظر والتفكر، سواء في دينه وشريعته، أو في خلقه وملكوته. فقد قال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} ١ مثلما قال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} ٢.

وفي هذا وذاك، لا بد من التساؤل عن العلل والقوانين، والبحث عن الأسرار والحكم، في حدود الممكن، أو ما يبدو ممكنًا، ورحم الله من عرف قدره فوقف عنده.

وفي مجالنا الآن، مجال الشريعة وأحكامها، لا بد لكي يتقدم فقهنا للشريعة ومقاصدها، من أن ننطلق ونحن على يقين واطمئنان بأن هذه الشريعة -كما عبر ابن القيم- "عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها"٣. وكما قال العلامة القرطبي - بلدي ابن حزم- "لا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية٤.


١ سورة النساء، ٨٢.
٢ سورة الغاشية، ١٧-٢٠.
٣ أعلام الموقعين، ٣/٣.
٤ الجامع لأحكام القرآن، ٢/ ٦٤.

<<  <   >  >>