للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وآخر. ومع هذا رأي عدد من الفقهاء -وخاصة من المالكية والحنابلة- أن هناك حالات يجوز فيها التسعير أو يجب! وليس هذا إلا تفسيرًا مصلحيا للحديث، عن طريق النظر العقلي. فقد رأوا أن الحديث يعتبر التسعير ظلمًا ثم وجدوا حالات يكون عدم التسعير فيها هو الظلم، ويكون التسعير فيها عدلًا ومصلحة عامة. ففسروا الحديث على أساس أنه إنما قيل في شأن حالات معينة من التسعير. وأن الحالات التي يناسبها التسعير، ليست بداخلة في مقتضى الحديث. بل هي داخلة في مقتضى أدلة أخرى تمنع الظلم والتعسف في استعمال الحق، وتأمر بإقامة القسط والتوازن بين المصالح.

قال الإمام أبو بكر بن العربي: "والحق التسعير وضبط الأمر على قانون لا تكون فيه مظلمة على أحد. وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وما فعله حكم، ولكن على قوم صح ثباتهم، واستسلموا إلى ربهم. وأما قوم قصدوا أكل الناس والتضييق عليهم، فباب الله أوسع وحكمه أمضى"١.

وقال ابن القيم: "وأما التسعير فمنه ما هو ظلم محرم، ومنه ما هو عدل جائز. فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباح الله لهم، فهو حرام وإذا تضمن العدل بين الناس، مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعارضة بثمن المثل ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل، فهو جائز، بل واجب. مثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها -مع ضرورة الناس إليها- إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، والتسعير ههنا إلزام بالعدل الذي ألزمهم الله به"٢.

ومن هذا القبيل أيضًا ما صح في عدة أحاديث من النهي عن بيوع الغرر. من ذلك: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وعن بيع الحصاة٣.


١ عارضة الأحوذي، ٦/ ٥٤.
٢ الطريقة الحكمية في السياسة الشرعية، ٢٤٠.
٣ أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن "دراز"، وبيع الحصاة هو بيع واحد من عدة أشياء تقع عليه الحصاة التي يرمي بها.

<<  <   >  >>