للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا يجب أن ينظر إلى مقاصد الشريعة في ضوء لغتها العربية، وفي ضوء المعهود من أساليب العرب، ومن ذلك أن العرب "فيما فطرت عليه من لسنه تخاطب بالعام يراد به ظاهره، وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه. وبالعام يراد به الخاص، والظاهر يراد به غير الظاهر. وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره. وتتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره، أو آخره عن أوله وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة. وتسمى الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم واحد. وكل ذلك معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي، ولا من تعلق بعلم كلامها.

فإذا كان كذلك، فالقرآن -في معانيه وأساليبه- على هذا الترتيب"١.

وهو يكثر من التأكيد على أهمية احترام والتزام حدود وقواعد اللغة العربية في فهم مقاصد النصوص. ويتعرض لهذه الفكرة كلما وجد لذلك مناسبة، لأن "لسان العرب هو المترجم عن مقاصد الشارع"٢. ومن هنا، فإن الشريعة "لا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم، لأنهما سيان في النمط، ما عدا وجوه الإعجاز، فإذا فرضنا مبتدئًا في فهم العربية، فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطًا، فمتوسط في فهم الشريعة"٢ وهكذا، فكلما كان أمكن في اللغة العربية، كان أقدر على إدراك مقاصد الشريعة إدراكًا سليمًا.

وقد رد أهم أسباب الابتداع والانحراف في الدين إلى سببين رئيسيين هما: الجهل، وتحسين الظن بالعقل، قال: "فأما جهة الجهل، فتارة تتعلق بالأدوات التي تفهم بها المقاصد، وتارة تتعلق، بالمقاصد"٣. والأدوات التي بها تعرف المقاصد هي اللغة العربية "فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولًا وفروعًا أن لا يتكلم بشيء من ذلك يكون عربيا أو كالعربي"٤.


١ الموافقات، ٢/ ٦٥-٦٦.
٢ الموافقات، ٤/ ٣٢٤.
٣ الموافقات، ٤/ ١١٥.
٤ الاعتصام، ٢/ ٢٩٣.

<<  <   >  >>