للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدنيا من المناقب الحميدة، والمآثر الحسنة. والمنازل الرفيعة. فذلك كله غير مقصود من العلم شرعًا، كما أنه غير مقصود من العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، وإن كان صاحبه يناله"١.

ورغم أن هذه المقاصد التبعية، غير مقصودة من العلم في الأصل، إلا أنها قد تصبح مشروعة، ومقصودة قصدًا تبعيا. لأن "كل تابع من هذه التوابع، إما أن يكون خادمًا للقصد الأصلي أو لا، فإن كان خادمًا له، فالقصد إليه ابتداء صحيح، وقد قال تعالى في معرض المدح {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} ٢ وفي القرآن عن إبراهيم عليه السلام {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِين} ٣.

وإن كان غير خادم له، فالقصد إليه ابتداء غير صحيح، كتعلمه رياء، أو ليماري به السفهاء، أو يباهي به العلماء، أو يستميل به قلوب العباد، أو لينال من دنياهم، أو ما أشبه ذلك"٤.

وكذلك، عندما تعرض لمبحث الرخصة والعزيمة، اعتبر المقصود بالقصد الأول هو العزيمة. وأما الرخصة فمقصودة بالقصد الثاني٥. لأن العزيمة تمثل المصلحة الكلية الأصلية للتشريع. وأما الرخصة فجيء بها في مواطن الحرج قصد رفعه. وهذه مصلحة جزئية عارضة. ومن كانت "العزائم مطردة مع العادات الجارية، والرخص جارية عند انخراق تلك العوائد"٦.

وقد سبق أن رأينا أثناء "عرض النظرية" أنه اعتبر أن المقاصد الأصلية هي الضروريات، التي لا حظ فيها للمكلف. بمعنى أنه ملزم بحفظها أحب أم كره،


١ الموافقات، ١/ ٦٧.
٢ سورة الفرقان، ٧٤.
٣ سورة الشعراء، ٨٤.
٤ الموافقات، ١/ ٦٧-٦٨.
٥ الموافقات، ١/ ٣٥١.
٦ الموافقات، ١/ ٣٥٣.

<<  <   >  >>