ولكن الآن أذكر -مجرد تذكير- أن المذهب المالكي هو مذهب المصلحة والاستصلاح، والاستحسان المصلحي، والتفسير المصلحي للنصوص. وهو المذهب الحازم في درء المفاسد وسد ذرائعها واستئصال أسبابها. وهو المذهب الذي يعتني عناية فائقة بمقاصد المكلفين ونياتهم ولا يقف عند مظاهرهم وألفاظهم. وهو من أكثر المذهب -إن لم يكن أكثرها- تعليلًا للأحكام الشرعية المتعلقة بمجال العبادات والمعاملات. والتعليل هو الكشف عن مقاصد الشارع والبناء عليها. فهذه الأصول التي تصب كلها في نظرية المقاصد، هي التي هيأت للفكر المقاصدي عند الشاطبي أن يترعرع على النحو الذي رأيناه.
وبعد هذه التنبيهات والإشارات، إلى موارد الشاطبي، وجوانب التأثر والاتباع في نظريته، أرى من تمام الفائدة أن أتعرض لبعض ما بدأ يقال ويشارع، حول جذور نظرية الشاطبي واستمداداته فيها.
من ذلك ما ذهب إليه الدكتور عبد المجيد تركي، ثم الدكتور محمد عابد الجابري، من أن الشاطبي في مقاصده، كان مكملًا لما جاء به ابن رشد، ومقتفيا أثره في ذلك.
فالدكتور تركي -الذي عرض رأيه خلال ندوة ابن رشد، التي انعقدت بكلية الآداب بالرباط، بمناسبة مرور ثمانية قرون على وفاته- يقول "عن ابن رشد""كما يجدر بنا أن نبرز إثراءه للفكر الفقهي إثراء قد مهد السبيل -في اعتقادنا- لتطورات لاحقة، بل لميلاد علم جديد ظهر بعد قرنين من وفاة ابن رشد على يد منشئة الشاطبي الأندلسي، الذي اختار له من الأسماء: علم مقاصد الشريعة"١.
ولست أدري أولًا ماذا يعني بكون الشاطبي "اختار له من الأسماء علم مقاصد الشريعة".
١ أعمال ندوة ابن رشد، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ١٩٧٨.