للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من التكلف والتهافت، يقول: "ولنلاحظ أن ابن رشد في "البداية" يستعمل لفظة مصلحي ليقابلها بلفظ تعبدي: "والمصالح١ المعقولة لا يمتنع أن تكون أسبابًا للعبادات المفروضة، حيث يكون الشرع لاحظ فيها معنيين: معنى مصلحيا، ومعنى عباديا. وأعني بالمصلحي: ما رجع إلى الأمور المحسوسة، وبالعبادي: ما رجع إلى زكاة النفس".

وإذا كان الدكتور لم يكتشف لفظ مصلحي، واستعماله في تعليل الأحكام الشرعية إلا في "البداية"، فعسى أن يكتشف في النهاية٢، أن مثل هذا الكلام وهذا الاصطلاح، ضارب الأطناب في كتب الفقه، وخاصة المالكية منها، وشائع في كلام الأصوليين، قبل ابن رشد وبعده. وقد مر بنا من ذلك ما يغني عن الإعادة أو المزيد.

على أن الذي لا ينتهي عجبي منه، هو: كيف يستسهل بعض الباحثين أن يقيموا أحكامًا ونظريات، ويفسروا ظواهر وتطورات، فقد بواسطة ألفاظ يلتقطونها، ثم يكررونها، ويغلظون كتابتها، ويسطرون تحتها، ثم يفرضون على الجمهور أن يؤمن بما بنوه عليها، مما لا تحمله ولا تفيده حتى عشرات من أمثالها!!

ولو ساغ في ميزان العلم أن نؤسس ريادة ابن رشد وتأثيره على الشاطبي في مجال المقاصد، على مجرد استعماله لفظ "مصلحي لكان أولى أن نؤسس ذلك على استعماله لفظ: مقصد الشرع، ومقصود الشرع، مما لم يبق فقيه ولا أصولي إلا استعمله. "راجع الباب الأول مثلًا".

فقد ذكر ابن رشد مرارًا. "مقصود الشارع" وما شابهها، ولكن في عبارات عابرة، وفي غير موضوعنا: مقاصد الشريعة، وإنما في مجال العقيدة:


١ الكلام من الآن نهايته من بداية المجتهد، ١/ ١٥.
٢ خاصة وأنه دائم الكلام عن: المقاصد، والشاطبي، والاستصلاح، ثم إنه قد بشرنا منذ عدة سنين أن من مشروعاته القريبة إعداد دراسة عن الشاطبي ومقاصد الشريعة. ذكر هذه في كتابه مناظرات في أصول الشريعة، ص٥٢٨ والكتاب صدر لأول مرة بالغة الفرنسية سنة١٩٧٨.

<<  <   >  >>