للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تعرض لهذه المسألة أحد أبرز رجال المقاصد، وهو العلامة محمد الطاهر بن عاشور، فذكر نماذج من التعليلات والإشارات المقاصدية التي كان يلقي بها بعض المتقدمين، ولكنها بقيت مغمورة متناثرة، لم تجد من يجمعها ويبرزها، ثم قال: "ولحق بأولئك أفذاذ أحسب أن نفوسهم جاشت بمحاولة هذا الصنيع، مثل عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، المصري الشافعي في قواعده، وشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، المصري المالكي، فيك تابه "الفروق" فلقد حاولا غير مرة تأسيس المقاصد الشرعية. والرجل الفذ الذي أفرد هذا الفن بالتدوين، هو الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي. فأنا أقتفي آثاره"١.

وقد قارن الشيخ عبد الله دراز -في تقديمه للموافقات- بين عناية الشاطبي بالمقاصد وعناية سابقيه بها، فلاحظ أن السابقين لم يتجاوزوا الإشارة إليها، في سياق مباحث أخرى، ثم قال: "وهكذا بقي علم الأصول فاقدًا قسمًا عظيمًا حتى هيأ الله سبحانه وتعالى أبا إسحاق الشاطبي -في القرن الثامن الهجري- لتدارك هذا النقص، وإنشاء هذه العمارة الكبرى"٢.

وإذًا، فالفرق في نظره بين حجم المقاصد عند الأصوليين السابقين، وحجمها عند الشاطبي، هو الفرق بين "الإشارة" و"العمارة".

وبتشبيه آخر -ولكنه يؤدي نفس المعنى- يبين الأستاذ مصطفى الزرقا، الحجم الكبير الذي أعطاه الشاطبي لمقاصد الشريعة، بالنسبة إلى من سبقوه، حيث يقول: "فقد أضاف إلى علم أصول الفقه ومؤلفاته بيانًا إبداعيا في مقاصد الشريعة، وهو الجانب الذي كان حظه من العناية في مؤلفات أصول الفقه قليلًا وضئيلًا، لا يتناسب مع عظيم أهميته في طريق استنباط الأحكام. فقد ألقى الإمام أبو حامد الغزالي قبل ذلك نواة هذا الموضوع في "مستصفاه"٣، ثم قام الشاطبي


١ مقاصد الشريعة الإسلامية، ٨.
٢ الموافقات، ١/ ٦.
٣ راجع فصل: فكرة المقاصد عند الأصوليين، لترى موقع الغزالي في سياق الانتباه إلى المقاصد.

<<  <   >  >>