للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الشاطبي "فالمجتهد إنما يتسع مجال اجتهاده بإجراء العلل والالتفات إليها ولولا ذلك لم يستقم له إجراء الأحكام على وفق المصالح إلا بنص أو إجماع"١، فالنصوص إذا أخذت بظاهرها وحرفيتها فقط. ضاق نطاقها وقل عطاؤها وإذا أخذت بعللها ومقاصدها، كانت معينًا لا ينضب، فينفتح باب القياس، وينفسح باب الاستصلاح، وتجري الأحكام مجراها الطبيعي في تحقيق مقاصد الشارع، بجلب المصالح ودرء المفاسد.

وبعد أن أعطى الشاطبي للمقاصد هذه المرتبة العليا، وهذا الوزن الثقيل في ممارسة الاجتهاد، أخذ العلماء -اليوم- يسلكون مسلكه في إبراز ضرورة المقاصد للمجتهدين في أحكام الشرع، وفي بيان أهميتها وفائدتها في أي اجتهاد فقهي أو فكري.

فقد أكد الأستاذ علال الفاسي: "أن مقاصد الشريعة هي المرجع الأبدي لاستقاء ما يتوقف عليه التشريع والقضاء في الفقه الإسلامي، وأنها ليست مصدرًا خارجيا عن الشرع الإسلامي، ولكنها من صميمه. وليست غامضة غموض القانون الطبيعي الذي لا يعرف له حد ولا مورد. وأن المقاصد تؤثر حتى على ما هو منصوص عليه عند الاقتضاء"٢.

وقد مثل لهذا، بتوقيف عمر حد السرقة عام المجاعة، لأنه -رضي الله عنه- كان يعلم أن مقصود الشارع بهذا الحد هو عقوبة المعتدين وزجرهم عن الاعتداء. والسارق المضطر ليس معتديًا، بل المعتدي من كان غنيا والناس من حوله جياع إلى حد الضرورة. وقد أعذر الله المضطرين، فكيف يقام عليهم الحد؟

وقد انتقد الأستاذ علال الفاسي "ص٤١" الدكتور صبحي محمصاني، لكونه اعتبر مقاصد الشريعة، من المصادر الخارجية للتشريع الإسلامي٣.


١ الموافقات، ١/ ٢٠٠.
٢ مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، ص ٥١-٥٢.
٣ انظر ذلك في الباب الرابع من كتابه: فلسفة التشريع الإسلامي.

<<  <   >  >>