للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم تطرق -وربما لأول مرة- إلى بيان كيفية ترتيب الضروريات الخمس والترجيح بينها بناء على ذلك، ودافع عن الترتيب الذي اختاره.

ورغم أنه عندما ذكر هذه الضروريات للمرة الأولى، ذكرها على ترتيب الغزالي، فقال: "المقاصد الخمسة التي لم تخل من رعايتها ملة من الملل، ولا شريعة من الشرائع هي: الدين والنفس، والعقل، والنسل، والمال"١.

فإنه عند تفصيل القول في الترجيح بينها، اختار تقديم حفظ النسل على حفظ العقل، كما هو الشأن في تقديم حفظ النفس على حفظ العقل. لأن حفظ العقل إنما هو فرع لحفظ النفس والنسل. فبحفظهما يقع حفظ العقل، وبفواتهما يفوت العقل أيضًا. أما حفظ العقل فلا يتضمن حفظ النفس والنسل، بل لا يتصور هو نفسه بدون حفظهما٢.

وقد أطال -رحمه الله- في الدفاع عن تقديم حفظ الدين على حفظ النفس، ومما قاله في ذلك: "فما مقصوده حفظ أصل الدين يكون أولى، نظرا إلى مقصوده وثمرته من نيل السعادة الأبدية في جوار رب العالمين. وما سواه من حفظ الأنفس والعقل والمال وغيرها. فإنما كان مقصودًا من أجله، على ما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ٣".

ثم رد بتفصيل على احتمال القول بتقديم حفظ النفس على حفظ الدين، وأبطل ما يمكن أن يستدل به على ذلك.

ومن النقط الجديدة عند الآمدي، تنصيصه صراحة على كون الضروريات منحصرة في هذه الخمسة، حيث قال: "والحصر في هذه الخمسة الأنواع إنما كان نظرًا إلى الواقع، والعلم بانتفاء مقصد ضروري خارج عنها في العادة٤". وبعده


١ الإحكام، ٣/ ٣٩٤.
٢ الإحكام، ٤/ ٣٨٠.
٣ الإحكام، ٤/ ٣٧٧.
٤ الإحكام، ٣/ ٣٩٤.

<<  <   >  >>