للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأموالهم دون أعراضهم. وما فدي بالضروري فهو بالضرورة أولى. وقد شرع في الجناية عليه بالقذف، الحد. وهو أحق بالحفظ من غيره. فإن الإنسان قد يتجاوز عمن جنى عليه نفسه أو ماله، ولا يكاد أحد أن يتجاوز عمن جنى على عرضه ولهذا يقول قائلهم:

يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراض لنا وعقول١

والحقيقة أن جعل "العرض" ضرورة سادسة، توضع إلى جانب ضرورات: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال، إنما هو نزول بمفهوم هذه الضرورات، وبمستوى ضرورتها للحياة البشرية، كما أنه نزول عن المستوى الذي بلغه الإمام الغزالي، في تحريره المركز والمنقح لهذه الضرورات الكبرى. فبينما جعل الضروري هو حفظ النفس، نزل "بعض المتأخرين" إلى التعبير بالنسب، ثم إلى إضافة العرض! وهل حفظ الأنساب، وصون الأعراض إلا خادمان لحفظ النسل؟

ثم إن حفظ العرض، ينقصه الضبط والتحديد. فأين يبدأ وأين ينتهي؟ وما هو الحد الفاصل بين حفظ العرض وحفظ النسب؟

ولو جاز لنا أن نضيف ضرورة النسب وضرورة العرض، لجاز لنا أن نضيف -من باب أولى- ضرورة الإيمان، وضرورة العبادة، وضرورة الكسب، وضرورة الأكل إلى غير ذلك من الضرورات الحقيقية، المندرجة في الضرورات الخمس، والخادمة لها.

وقد اعترض الشيخ ابن عاشور، على من جعلوا حفظ العرض من الضروريات، واعتبره من الحاجيات فقط. كما أنه لم يقبل جعل حفظ النسب من الضروريات إلا باعتباره يفضي إلى حفظ النسل٢.

والحق أن ما كان هذا شأنه، فهو مكمل للضروري، كما أشرت من قبل


١ إرشاد الفحول، ٢١٦.
٢ مقاصد الشريعة الإسلامية، ٨١-٨٢.

<<  <   >  >>