روى الشاطبي في "الإفادات" قال: "كثيرا ما كنت أسمع الأستاذ أبا علي الزواوي يقول: قال بعض العقلاء: لا يسمى العالم بعلم ما، عالمًا بذلك العلم على الإطلاق، حتى تتوفر فيه أربعة شروط:
أحدها: أن يكون قد أحاط علمًا بأصول ذلك العلم على الكمال.
والثاني: أن تكون له قدرة على العبارة عن ذلك العلم.
والثالث: أن يكون عارفًا بما يلزم عنه.
والرابع: أن تكون له قدرة على دفع الإشكالات الواردة على ذلك العلم.
قلت: وهذه الشروط رأيتها منصوصة لأبي نصر، محمد بن محمد الفارابي الفيلسوف في بعض كتبه"١.
ولا شك أن الشاطبي كان يضع هذه الوصية، نصب عينيه ويعمل -في طلبه العلم -بمقتضاها.
فهي وصية من أحد أكبر شيوخه، وكان هذا الشيخ يكثر من إسماعه إياها وتذكيره بها. وإلى هذا، فهو قد قرأها في بعض كتب الفيلسوف الكبير، أبي نصر الفارابي، الملقب بالمعلم الثاني.
والشاطبي يصرح -أو يكاد- بوفائه وتمسكه بهذه الشروط، المطلوبة في العالم بأي علم. ولا شك أنه قد حقق -أكثر ما حقق- هذه الشروط، في علم الشريعة أصولًا وفروعًا، وقد رأينا أنه يشترط في قارئ "الموافقات" أن يكون ريان من علم الشريعة، أصولها وفروعها، منقولها ومعقولها، هذا عن قارئ الكتاب، فكيف بمؤلفه!
ويتحدث -في مقدمته "الاعتصام"- عن هذا الموضوع، فيقول: "وذلك أني -ولله الحمد- لم أزل منذ فتق للفهم عقلي، ووجه شطر العلم طلبي، أنظر في