للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعضها من الطول- شديدة الشبه بالمقالات الموضوعية الحديثة. وفي فصول مقابساته مشابه من المقالات التأملية والفلسفية، وفي "الإمتاع والمؤانسة" صور شخصية بارعة، ولعل أصلحها للتمثيل في معرض الحديث عن المقالة، وصف الصاحب بن عباد، فهي مقالة هجائية بارعة، التزم فيها أسلوبا هادئا رصينا، خاليا من التهجم المفضوح والسباب البذيء، حتى لا يفوت على نفسه الغرض الذي رمى إليه. وما أقرب روحها من روح مقالات أديسون وستيل الهجائية الساخرة، التي كانا يصطنعان لها أسلوبا مبطنا لا يتورطان فيه بالتهكم الصارخ والضحك المجلجل، قال:

"إن الرجل كثير المحفوظ حاضر الجواب فصيح اللسان، قد نتف من كل أدب خفيف أشياء وأخذ من كل فن أطرافا. والغالب عليه كلام المتكلمين المعتزلة وكتابته مهجنة بطرائقهم ومناظرته مشوبة بعبارة الكتاب. وهو شديد التعصب على أهل الحكمة والناظرين في أجزائها كالهندسة والطب والتنجيم والموسيقى والمنطق والعدد، وليس عنده بالجزء الإلهي خبر ولا له فيه عين ولا أثر. وهو حسن القيام بالعروض والقوافي ويقول الشعر وليس بذاك. وفي بديهته غزارة، وأما رويته فخوارة، وطالعه الجوزاء والشعرى قريبة منه، ويتشيع لمذهب أبي حنيفة ومقالة الزيدية، ولا يرجع إلى الرقة والرأفة والرحمة. والناس كلهم محجمون عنه لجرأته وسلاطته واقتداره وبسطته. شديد العقاب طفيف الثواب طويل العتاب بذيء اللسان يعطي كثيرا قليلا "أعني يعطي الكثير القليل". مغلوب بحرارة الرأس، سريع الغضب بعيد الفيئة قريب الطيرة حسود حقود حديد، وحسده وقف على أهل الفضل وحقده سار إلى أهل الكفاية. أما الكُتَّاب والمتصرفون فيخافون سطوته، وأما المنتجعون

<<  <   >  >>